Ad

إذا كانت واشنطن تعتقد أن مثل هذا القرار يمكن أن يساعدها في انتزاع تنازلات من المفاوض الإيراني من خلال ابتزازه في دبلوماسييه الخمسة المختطفين، فهي مخطئة أيضا لأن «المفاوضات تحت النار» معادلة يتقنها الإيراني، لاسيما في العراق، أكثر من المفاوض الأميركي المكشوفة قواته والمعرضة لأن تتحول إلى رهائن بالآلاف بقرار من الحرس الثوري لو أراد.

يبدو أن إدارة المحافظين الجدد فقدت «عقلها» حقا في التعامل مع طهران، وهي تبدو اليوم في أسوأ حالاتها مع اقتراب اليوم الذي سينزل فيه آخر المسافرين من قطارها لينصرف للاهتمام بقضاياه «العائلية»، كما ورد في تصريحات كارل روف الذي وصف بأنه «العقل» المنفصل لجورج بوش!

فماذا يعني أن تفكر هذه الإدارة المتآكلة داخلياً ودولياً في اتخاذ قرار من نوع اعتبار «الحرس الثوري» الإيراني منظمة إرهابية؟! وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات!

أولاً: إما أن إدارة بوش لا تعرف ما هو الحرس الثوري وتتصوره «منظمة» مثلها مثل أي منظمة أخرى في العالم تستطيع محاصرتها بقرار، فهذا غباء يشبه غباءها التاريخي الذي ارتكبته بحل الجيش والدولة في العراق، الذي دفعت ولا تزال وستظل تدفع ثمنه غالياً من قدرتها الإمبراطورية!

وإما أنها تعرف أن الحرس الثوري الإيراني قد تحول إلى ما يوازي عماد الدولة الإيرانية برمتها، وبات أشبه ما يكون إلى أنه الدولة والدولة هو، وهنا تكون الإدارة بصدد ارتكاب حماقة مركبة ومضاعفة، إذ يعني أنها تتجه إلى إعلان حرب خاسرة من الأساس، وأنها لم تتعلم من تجربة العراق شيئا يذكر، وهو الأمر الذي قد يكون وراء القرارات المتسرعة لرفاق بوش بمغادرة السفينة التي توشك أن تغرق وتركها من دون ربان لتلقى مصيرها المحتوم!

ثانياً: أو أن إدارة بوش تحاول الالتفاف على الحصار الداخلي والخارجي الذي يطوقها من كل جانب، ويطالبها عملياً بالتفاوض مع طهران أي مع الحرس الثوري في محاولة للحفاظ على بعض ماء الوجه، أو لإنجاح خطة ما بات يعرف «بالخروج المشرف» من العراق بعد أن أصبح النصر مستحيلاً، حسب كل القراءات الأميركية والدولية! وهذا يعني الالتفاف على توصيات «بيكر-هاميلتون» وقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي يطلب من الأمم المتحدة في ما يطلب مفاوضة إيران للمساعدة في إقرار الأمن والاستقرار في العراق، وكذلك الأمر بشأن توصيات لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، وهي الدولة الحليفة، بل والذليلة، لسياسة واشنطن، التي تقول بضرورة مفاوضة طهران للغرض الآنف الذكر نفسه!

ثالثاً: إذا قبل العالم من أميركا أن الحرس الثوري منظمة إرهابية، وهو الذي بات بمنزلة الجسم الرسمي الذي يمثل الدولة الايرانية العضو في الأمم المتحدة، فكيف ستبرر واشنطن تورطها الذي بات مفضوحاً في تدريب ورعاية وإسناد ميليشيات سنية وشيعية تقوم بأعمال إرهابية يومية يسقط خلالها عشرات المدنيين الأبرياء في العراق تحت لواء صناعة «البديل العشائري» للميليشيات الطائفية، كما تقول! هذا بالإضافة إلى توظيف عشرات الألوف من المرتزقة تحت عباءة «البنتاغون» وإرسالهم إلى الحرب في العراق خلافاً لكل الأعراف الدولية؟!

رابعاً: إذا قبل العالم من أميركا أن الحرس الثوري منظمة إرهابية، فماذا ستجيب واشنطن على العالم الحر الذي قرر بشكل جماعي، ومنذ سنوات، اعتبار منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية منظمة ارهابية محظورة، في الوقت الذي تقوم واشنطن برعاية معسكراتها الإرهابية في العراق، وهي المنظمة الذي لا يستنكف بالمناسبة حتى أعتى المعارضين للنظام الايراني بنعتها بالإرهاب بسبب تلطخ أيديها بدماء مئات الأبرياء من المواطنين الإيرانيين؟!

خامسا وأخيراً: إذا كانت واشنطن تعتقد أن مثل هذا القرار يمكن أن يساعدها في انتزاع تنازلات من المفاوض الإيراني من خلال ابتزازه في دبلوماسييه الخمسة المختطفين بطريقة إرهابية من قنصليتهم في أربيل والمحتجزين حالياً لدى المارينز، فهي مخطئة أيضا لأن «المفاوضات تحت النار» معادلة يتقنها الإيراني، لاسيما في العراق، أكثر من المفاوض الأميركي المكشوفة قواته والمعرضة لأن تتحول إلى رهائن بالآلاف بقرار من الحرس الثوري لو أراد!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني