جولة بوش في المنطقة: الرسالة والأهداف 2 - 2

نشر في 22-01-2008
آخر تحديث 22-01-2008 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري جرى في الجزء الأول من المقال استعراض الأحداث والاحتجاجات والتظاهرات والتفسيرات المعدة سلفاً التي سبقت زيارة بوش إلى المنطقة.. الآن دعونا نتساءل: ما أهداف زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة؟ وما الرسالة التي أراد توصيلها لنا وللآخرين؟

أتصوّر أن الأهداف أو الرسالة تتخلص في الآتي:

1 - تأكيد التزام الادارة الأميركية بحماية أمن المنطقة وتأكيد التحالف الأميركي الخليجي كتحالف استراتيجي يضمن استقرار وأمن المنطقة وبما يحقق المصالح المشتركة للخليج ودول العالم جميعاً وخصوصا أمام تزايد المخاوف من الأخطار التي يشكلها تنامي القوة العسكرية الإيرانية وازدياد نفوذها في المنطقة العربية وتدخلها في الشؤون الداخلية في العديد من الدول العربية.

2 - طمأنة الخليجيين أنه لا صفقات مقايضة مع إيران على حساب الخليجيين ولاسيما بعد تصاعد التكهنات حول وجود مثل هذه الصفقات.. فهناك لوبي إيراني نشط في الجامعات والإعلام ومراكز البحوث الأميركية تدعو الإدارة الأميركية إلى التفاوض مع إيران بأن تعترف الإدارة بمصالح إيران في المشرق العربي بمعنى قبول أميركا بالاختراق الإيراني في المنطقة عبر حلفائها في مقابل تسهيل إيران الحل في لبنان. وتأتي هذه التكهنات على خلفية ما يردده بعضهم بأن أميركا سلمت العراق لأنصار إيران، وقضت على «طالبان» وذلك مصلحة إيرانية- أيضاً- وطبعاً تأتي هذه الاتهامات التي تحاول زعزعة مصداقية أميركا في سياق التشويه وقلب الحقائق. فلا أنصار إيران في العراق يحكمون ولا القضاء على «طالبان» كان مصلحة لإيران وحدها، العالم الاسلامي كله ارتاح من «طالبان»، فالقضاء على «طالبان» والنظام الاستبدادي في العراق مصلحة دولية وخليجية.. جاء بوش ليقول للخليج: لن ندعكم وحدكم في مواجهة الخطر الإيراني.

3 - تأكيد دعم أميركا لمعسكر الاعتدال والعقلانية العربي وبالخصوص الدول الخليجية ومصر والأردن، والداعم للعملية السلمية في مواجهة المعسكر الرافض لها الذي يسعى لنشر الفوضى في العالم العربي كوسيلة ضغط على أميركا. وقد أكد بوش دعمه للعملية السلمية وأبدى ثقته في تحقيق الدولة الفلسطينية وعبّر عن تفاؤله بتحقيق ذلك قبل مغادرته البيت الأبيض نهاية 2009. ولكن لماذا لم يزر بوش قطر وهم من معسكر الاعتدال؟ أثيرت أقاويل بوجود خلاف بسبب «الجزيرة» وعلاقة قطر بـ«حماس» و«حزب الله» وأتصور أنها على غير أساس. فعلاقة قطر بأميركا استراتيجية وتحالفها قوي. ولا تتأثر بمثل هذه الخلافات الطبيعية الموجودة بين كل الحلفاء. ولماذا لا تكن علاقة قطر بتلك الجماعات والدول المعادية لأميركا ما يكون فيه مصلحة للأطراف كافة؟ ولعل الرئيس الأميركي اكتفى بزيارته السابقة لقطر ثم انه لم يزر دولاً كثيرة أخرى.

لقد كانت جولة بوش في معسكر الاعتدال العربي لتأكيد أنه معنيّ بما قاله ويقوله عن (حل الدولتين).

4 - توجيه رسالة قوية لإيران من الضفة المقابلة، مضمونها: إن أميركا باقية في المنطقة وفي العراق ولبنان وأنها لن تتخلى عن حلفائها- ويأتي تصريح وزير الدفاع العراقي بالحاجة إلى القوات الأميركية حتى 2018 في هذا السياق- كما أن الرسالة تقول: إن أميركا وأوروبا لن تسمحا بأن تصبح إيران دولة نووية مهيمنة على الخليج، تهدد جيرانها وتتحكم في الوقود الحيوي للعالم، وخصوصاً أنها دولة دينية شمولية لها أطماع توسعية خطرة، وأن أميركا معنية بأمن الخليج باعتباره يشكل أمن العالم أجمع الذي يعيش على النفط العربي، ومن هنا ستواصل أميركا والدول الكبرى حصارها الاقتصادي على إيران ما دامت لا تستمع إلى نداء شعبها وتتخلى عن البرنامج النووي.. لقد طالت العقوبات الاقتصادية إيران وأكبر بنك بحريني علق نشاطاته في إيران والمصارف الإماراتية أوقفت خطابات الاعتماد وهناك 25 ألف صفقة لشركاتها تم رفضها منذ عام 1997.

وقد أصبحت إيران الآن تئن تحت أزمة انقطاع الغاز وستزداد عزلتها الاقتصادية والمالية والسياسية بوتيرة متصاعدة، وفي 22 يناير ينعقد مؤتمر برلين لمناقشة القرار الدولي الثالث لفرض عقوبات جديدة على إيران.

ولعل مما يقوي هذه الرسالة الحازمة لإيران خطوة فرنسا نحو إقامة وجود عسكري دائم في المنطقة في دولة الإمارات. ولم يكن ليتحقق ذلك لولا السياسية الفرنسية الجديدة على يد «ساركوزي» النشط سياسياً واجتماعياً وإعلامياً، الذي استطاع تغيير سياسة فرنسا في سياسة الثعلب الانتهازي الذي يعيش على فتات الأسد الأميركي إلى سياسة مبادرات إيجابية فاعلة ولطالما انتقد الأوروبيون الاحتكار الأميركي للأمن الخليجي الاستراتيجي.. وها هو ساركوزي يفك الاحتكار.

5 - وقد يكون من أهداف الزيارة أيضا مناقشة موضوع ارتفاع أسعار الطاقة مع زعماء المنطقة، وهو أمر شاركه فيه ساركوزي- أيضا- وذلك، بسبب تلاعب المضاربين بأسعار النفط، وهو أمر يشكل خطورة بالغة ليست على الاقتصاد العالمي فحسب، بل على اقتصاديات المنطقة أيضاً، والمستفيد الوحيد هم المضاربون. وإذا لم تتدخل «أوبك» فقد يصل سعر برميل النفط إلى 200 دولار مما يشكل كارثة عالمية.

هذه هي حقيقة رسالة وأهداف جولة بوش بعيداً عن التصورات المسبقة لأصحاب الأجندات الجاهزة والمزايدات الإعلامية الفارغة.

* كاتب قطري تنشر بالمشاركة مع «الوطن» القطرية

back to top