Ad

كلتا السلطتين -سلطة الرئيس وسلطة الحكومة، حكومة هنية- شرعية اكتسبت كل منهما شرعيتهما من إرادة الشعب الفلسطيني، وعليهما أن توحدا صفوفهما في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتل الغاصب، وأن تنسيا خلافاتهما وأحداث ما قبل منتصف يونيو سنة 2007، التي سوف تكشف الأيام عن دور إسرائيل فيها.

في الوقت الذي أصبحت فيه حقوق الإنسان قضية كونية، لا تخص قطراً أو إقليماً أو دولة، بل تخص الكون كله بكل منظماته الدولية والإقليمية، والاعتداء على هذه الحقوق في بقعة ما في العالم، تهتز له الضمائر في العالم كله وتتحرك في إدانته هذه المنظمات، تغيب حقوق الإنسان الفلسطيني عن تقارير هذه المنظمات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي أطلقت بعدها الولايات المتحدة يد الآلة العسكرية الإسرائيلية في قتل وسفك دماء الفلسطينيين وهدم قراهم وبيوتهم وتشريدهم والزج بهم في السجون والمعتقلات بدعوى اجتثاث جذور الإرهاب، وجذور «القاعدة» من فلسطين، في ظل تصنيف جديد بقلب الحقائق من شعب يكافح لاسترداد أراضيه المحتلة إلى إرهابيين ينشرون الإرهاب في فلسطين ضد إسرائيل بإطلاق الصواريخ عليها من وقت إلى آخر ومن دولة تمارس الإرهاب في أراض تحتلها إلى دولة تدافع عن نفسها ضد الإرهاب، فأصبح الدم الفلسطيني مباحاً في الشرعية الدولية وفي تقارير هذه المنظمات التي لم تعد تشير إليه إلا إشارات عابرة.

إلا أن تقريراً إنسانياً قد شرخ جدار الصمت المفروض على انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، أصدرته منظمة أوكسفام الدولية، وهي منظمة تضم تحت لوائها 13 منظمة تعمل معاً، ويشارك في نشاطها موظفون من مئة دولة، أي أكثر من نصف دول العالم، التقرير تحدث عن خطورة الوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية، قبل الحصار الأخير المفروض على غزة، والتقرير استمد نتائجه من إحصاءات دقيقة أجراها على الطبيعة موظفون من المنظمة، وكشف عنها كذلك البنك الدولي الذي قرر أن %80 من الفلسطينيين يعتمدون في معيشتهم الآن على المساعدات، وأن نصفهم متعطّلون عن العمل، وأن الضفة الغربية منطقة ممزقة اقتصادياً، أي أن الأمر لا يقتصر على قطاع غزة وأن التجويع يشمل الأراضي التي تخضع لسيطرة الرئاسة الفلسطينية ومنظمة «فتح»، فقد خفض الإسرائيليون من كمية المياه التي يعيش عليها الشعب الفلسطيني في قرى وادي الأردن، وليس ببعيد الجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي يجري بناؤه منذ سنوات وبخطى واسعة وسريعة لتمزيق الضفة وشلها تماماً ولإضافة أراضٍ منها إلى إسرائيل.

أي أن حرب الإبادة والجرم الإسرائيلي ضد سكان غزة، وإن بلغ أسوأ مستوياته في الفترة الأخيرة التي فرضت فيها إسرائيل الحصار على غزه منذ 14/6/2007، إلا أنه يشمل الضفة كذلك، وإن كان بدرجة أقل، لاستمرار الوقيعة بين «حماس» و«فتح»، ولتفتيت وحدة الشعب الفلسطيني التي هي مضرب الأمثال في الصمود والتحدي.

ولا أجد تعبيراً عن ذلك، يوجه إلى «فتح»، إلا المثل المصري الذي يقول: «لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك»، وهي حقيقة يدركها الفلسطينيون في كل شبر من الأرض الفلسطينية، بما لا يمكن معه إيجاد أي تبرير لموقف «فتح» الرافض للحوار والجلوس على طائلة المفاوضات مع حكومة هنية، وهي حكومة لم تفقد شرعيتها التي اكتسبتها عبر انتخابات، شهد لها الجميع بنزاهتها وطهارتها، وعبّر فيها الشعب الفلسطيني بكامل إرادته، وبالرغم من كل الظروف، عن اختيار مجلسهم التشريعي، مثلما عبّر عن ذلك في اختيار رئيسه أبو مازن، فكلتا السلطتين -سلطة الرئيس وسلطة الحكومة، حكومة هنية- شرعية اكتسبت كل منهما شرعيتهما من إرادة الشعب الفلسطيني، وعليهما أن توحدا صفوفهما في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتل الغاصب، وأن تنسيا خلافاتهما وأحداث ما قبل منتصف يونيو سنة 2007، التي سوف تكشف الأيام عن دور إسرائيل فيها.

وعودة إلى قطاع غزة، الذي أصبحت خطة تجويعه وإذلاله للانقضاض على حكومة هنية هي إحدى الوسائل التكتيكية، قبل أن تفرض على الشعب الفلسطيني وثيقة الاستسلام الكبرى، عبر قيام دولة فلسطينية، هي داخل أسوار سجن إسرائيلي كبير، ترتبط ارتباطاً قسرياً بما تمدها به إسرائيل من كهرباء ووقود، ومن كل مقومات الحياة، لتصبح الدولة شكلاً بغير مضمون، وسجناً لا يخضع حتى للمعايير الدولية للمعاملة الإنسانية داخل السجون.

إن ذلك يثبت أن إرهاب الدولة في إسرائيل قد فاق إرهاب «القاعدة» أو غيرها، بل فاق كل وصف وكل حدود، وأن إسرائيل عندما طالبت بالاعتراف بها كدولة يهودية في مؤتمر أنابوليس الذي عقد أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية، قد أنصفت الحقيقة من نفسها، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ليعيد للمجتمع الدولي ذاكرته عندما أصدرت الأمم المتحدة قراراً باعتبار إسرائيل دولة عنصرية، وهو القرار الذي أُلغِي بعد ذلك بفضل حليفتها الولايات المتحدة الأميركية التي لاتزال تؤيد اعتبار إسرائيل دولة يهودية لطرد المواطنين من أتْباع الديانات الأخرى من مسلمين ومسيحيين.