مجلس الأمة وتحجيم العمل التطوعي
إذا أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تحت الإشراف والسيطرة المباشرة من الحكومة، كما يطرح مشروع القانون المقدم من أعضاء المجلس الموقرين، فلماذا تسمى منظمات أو مؤسسات مجتمع مدني إذاً؟! أليس من المفروض والحال هذه أن تكون جزءاً من الإدارات الحكومية القائمة؟ وفي هذه الحالة فإنه لن يكون لدينا منظمات أو مؤسسات مجتمع مدني بل إدارات حكومية!
ركزت مؤسسات المجتمع المدني التسع والعشرين في البيان الذي أصدرته بتاريخ 13-11-2007 وتم الإعلان عنه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته هذه المؤسسات برابطة الاجتماعيين، على رفضها الشديد لمشروع القانون المقدم من أعضاء مجلس الأمة السادة د. محمد البصيري، ود. جمعان الحربش، ود. وليد الطبطبائي، ود.علي العمير ومحمد المطير، لإنشاء هيئة عامة للعمل التطوعي تكون تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والذي كما بينت هذه المنظمات في بيانها «تضمن عدداً من القيود التي تعرقل مسيرة جمعيات النفع العام وتضعها تحت هيمنة هيئة حكومية تتدخل في أنشطتها وتحدد لها كيفية ممارسة دورها الوطني».كما أشارت مؤسسات المجتمع المدني في بيانها إلى ما أسمته «سلسلة المحاولات المتكررة التي تهدف إلى تحجيم العمل التطوعي وتقييد حركته ...»، وفي اعتقادنا أنها كانت تشير هنا إلى المحاولات الحكومية المتعددة للتدخل في عملها. ولكنه من الواضح في هذا البيان أن المنظمات الموقعة عليه تشعر بالمرارة لأن هذا المشروع مقدم من بعض أعضاء مجلس الأمة الذين من المفروض أن يطالبوا بالمزيد من الاستقلالية لمؤسسات المجتمع المدني لا أن يطالبوا بتقييد حركتها وسيطرة الحكومة عليها. والمستغرب أيضا أن يتم التقدم بهذا المشروع من دون أخذ رأي مؤسسات المجتمع المدني المعنية به خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذه المؤسسات لديها تجربة مؤسسية ثرية في الكويت تمتد إلى عقود طويلة. من ناحية أخرى وكما هو معروف في كل بلدان العالم المتقدم أن منظمات أو مؤسسات المجتمع المدني تتمتع باستقلالية تامة عن الحكومة، ولذلك تسمى أيضا المنظمات غير الحكومية لأنها تعمل بمرونة وحرية كاملة بعيداً عن الأجهزة البيروقراطية الحكومية وبعيداً أيضاً عن الاعتبارات أو الحساسيات الاجتماعية والسياسية التي يتطلبها العمل الحكومي في كثير من الأحيان. وإذا أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تحت الإشراف والسيطرة المباشرة من الحكومة، كما يطرح مشروع القانون المقدم من الأعضاء الموقرين، فلماذا تسمى منظمات أو مؤسسات مجتمع مدني إذاً؟! أليس من المفروض والحال هذه أن تكون جزءاً من الإدارات الحكومية القائمة؟ وفي هذه الحالة فإنه لن يكون لدينا منظمات أو مؤسسات مجتمع مدني بل إدارات حكومية!لكن من الواضح كما يبين التحرك الأخير الذي بدأته جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، أن لدينا مجتمعاً مدنياً واعياً لدوره الوطني ويرفض الوصاية والهيمنة الحكومية ويطالب بالمزيد من الاستقلالية خصوصاً أن العالم اليوم يتجه إلى إعطاء دور أكبر إلى مؤسسات المجتمع المدني في عملية الإصلاح والتنمية.كما أن حرية العمل العام والشعبي تعتبر من أبجديات الديموقراطية، وهي ليست فقط صندوق انتخابات يأتي بمن يحاول العمل على تفريغها من الداخل لتصبح شكلاً ديكورياً من دون محتوى.ومن هنا فإن العشم في الأعضاء الحريصين في مجلس الأمة لرفض هذا المشروع أو أي مشروع آخر يحاول تحجيم العمل التطوعي والتدخل في شؤونه. كما أن على منظمات المجتمع المدني ألا تكتفي بإصدار البيان، فالمطلوب تحرك رسمي وشعبي واسع لإيقاف المحاولات المتكررة للتدخل في شؤونها. وللأسف أنه باسم الديموقراطية هنالك من يعمل على تقويضها.