رموش بينيلوبي ... ورموشي
تقف بينيلوبي قرب مجهر ضخم (تلسكوب) على «تراس» شقة مكشوفة، موجّهة أنظارها نحو الفضاء الداكن.
ترافق حركتها جملة بسيطة: «دقة عالية، أطول بـ60%» وتعلّق الحسناء اللاتينية: «لرموشٍ أبعد من فضائنا، حلّقي برموشك نحو أبعادٍ خيالية». ليست أكثر من دعاية أطلقتها شركة «لوريال» لمنتج ماسكارا جديد «تلسكوبي» الأبعاد (بمعنى خيالي) على الشاشات الأميركية، لكنّها كانت كفيلة بإحداث بلبلة في بلاد العم سام. فقد قرّر اختصاصيو الجمال في الشركة أنّ رموش الفاتنة كروز غير كافية لاسترعاء انتباه الجنس اللطيف فلجأوا الى تكثيفها بأخرى اصطناعية يحاكي فعلها أثر رموش النجمة أودري هيبورن. لم تترك المحاولة أثراً طيباً لدى المستهلكات الأميركيات اللواتي تقدّمت إحداهنّ بشكوىً لدى هيئة مراقبة المعايير الاعلانية المعروفة بـ (Advertising Standards Authority (ASA، المولجة التأكد من «حقيقة» الجمال الاعلاني، فطالبت الاخيرة لوريال بسحب إعلانها من السوق لطابعه المضلّل. إنّه السباق المحموم ذاته الى «الحقيقة»، ولكن «حقيقة» مواطني الغرب بعيدة كلّ البعد عن هموم «حقيقتنا» نحن العرب، تلك التي نحاول فيها كشف ملابسات حادث أمنيّ، أو سبر أغوار فضيحة مالية، فحقيقة البلدان المتقدمة تتجسّد بنقابات تحميهم من تزوير «وقائع هي من الكماليات» بما أنّ حقوق المواطنين الجوهرية مكتسبة حكماً. الحملة المضادة باسم «الحقيقة» انطلقت من البلد ذاته الذي تكوّن فيه منطق «الجمال المصطنع»، فثمة مواقع تقضّ مضاجع شركات الجمال «الفوتوشوبي»، بتقديمها 10 آلاف دولار (ما يعادل الخمسة آلاف جنيه استرليني) لأفضل صورة غلاف قبل إدخال التعديلات التجميلية الرقمية عليها. وتحدث مسألة التضليل الاعلامي جلبة كبرى في الولايات المتحدة، لا سيما أنّ عدد ضحاياه الى ازدياد. ويبرّر البعض اللجوء الى الخدعة البصرية في الاعلان الجمالي برغبةٍ ملحّة في تجسيد حلم المرأة بالجمال المثالي على أرض الواقع. «أين المصيبة في ذلك؟» يعترض جان بول آغون، المدير التنفيذي لشركة لوريال، ويضيف: «الجمال الحقيقي هو أن تحفّز لدى المرأة شعورها بالثقة بذاتها، وتعزّز رضاها عن شكلها حتى تبلغ بها أقصى درجات السعادة!». أجدني، كمثيلاتي من النساء، أقرب الى ما قاله آغون. في بعض المسائل «التجميلية» أفضّل «الحقيقة المُفتَعَلة» على تلك «من دون رتوش»، فجرعة معتدلة من الكذب تفعل فينا، نحن النساء، فعل الأوكسيجين في الرئتين. ما الضير في أن أحلم بأنّ رموشي مثل بينيلوبي، وبأنّها كفيلة بجعل أيّ آدميّ فريسة سحري من مجرّد نظرة؟ ولماذا أشتري المجلات النسائية متصفحةً إياها بنهمٍ لا يرتوي لأجد في نسائها بعضاً من ذاتي التي أصبو اليها؟ هل أنكر أنّ الاعلان الذي يدغدغ حواسي هو ذاك الذي يحوّلني مرغمةً الى امرأة تصبو بكل جوارحها الى جمالٍ ليس في الواقع لها، وهل بتوقي هذا أتنكّر لذاتي؟ لمَ لا نقول بأنني أُجمّل «حقيقتي»، تماماً مثلما أتجمّل بحمرةٍ على شفتيّ؟ بين الجدّ والكذب فضاء رماديّ يمنح خيالي أجنحةً جامحة من دون أن يخدش ذكائي. ألا أصدّق حبيبي حين يجزم لي بأنّني المرأة الوحيدة التي وُجد من أجلها على هذه الارض، ألا يطيب لي مذاق كذبه فأعود إليه صاغرةً لأجترع المزيد؟ حبيبي، هذا المساء اكذب عليّ ما تشاء و«قُل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً»!