Ad

إذا كان «بو سامي» اختار أن يسير على جادة آمنة تدرأ عنه عصيّ وقمع «المطاوعة» ومن لف لفيفهم فلا ألومه، فالحياة حلوة ولا يجوز هدرها بجرّة عبارة تستوجبها الشفافية والصدق مع الذات! والحق أن كتابة السيرة الذاتية ورطة، والكلمة مثل الطلقة إذا خرجت لا تعود أبداً.

لعل السيرة الذاتية من أقل المصنفات الأدبية حضوراً في حياتنا الثقافية، وإذا صدرت سيرة ذاتية لأحد أعلام السياسة والأدب وغيرهما غالباً ما تصاغ بمداد البراءة ويراع «العصمة» التي لا تكون إلا لنبي! من هنا حين فاتحني أخونا في الله... ثم في «المطازيز» وكل لذائذ الحياة الدنيا، في شأن عزمه على نشر سيرته في «الجريدة» طار في الهواء عقالي وعقلي، وطرب وجداني جذلاً و«زفن» على إيقاع الحنين المموسق لذكريات الأيام الخوالي خلال عقدي الستينيات وخليفته، لكن الذي أثار ضحكي وقهقهتي حتى بانت نواجذي «التي لا أعرف أين موقعها في جغرافية فمي!» ما علينا فالشاهد أن «بو سامي» نسي وتناسى أن ذاكرة العبد لله منقرضة ولا يعول عليها البتة، فكيف، والأمر كذلك تزويده ببعض الوقائع والأسماء والتواريخ وكل ما من شأنه أن «يثري» سيرته ويردفها بمخزون حافظتي الخاوية! ولا تدبّ الروح في ذاكرتي المحتضرة إلا حين أكون في ساعة امتحان بشتى المراحل الدراسية! لكن المهم أن ذاكرة صاحبنا هو الآخر باتت عجوزاً دردبيسا... مثل الذي يكتب سطراً وينأى عن الآخر ، بل أزعم أن ذاكرته كما منخل الشعير، فحين عرض لقصيدة «جيفارا مات» للشاعر «أحمد فؤاد نجم» خيل إليّ أنها «شيخ فارا» كما لو أنها تنتمي إلى الشعر النبطي، فقد وجد «بو سامي» أن من الأسهل له تعبئة ما نسيه من القصيدة بايقاعات بدوية نبطية... ولذا يكون حق الأداء العلني لهذه القصيدة «سداح مداح» وضاع على أخينا «أبو النجوم» ما غيره.

* لقد اختار «سليمان فليّح» تدبيج سيرته الكويتية بمداد الصراحة المهضومة والمبلوعة، فتراه يلمّح ولا يصرّح خشية غضب وعتاب الآخرين الذين يجسدون شخوص السيرة وأبطالها.

يقول العم «مكسيم غوركي»: «لكل إنسان حماقاته، وهي في الغالب، أهم ما في حياته» وهي مقولة أحسبنا هو وأنا نعترف بها ولا ننكرها أبدا، لسبب بسيط جدا وهو أننا أحفاد آدم جدنا العاصي! وإذا كان «بو سامي» اختار أن يسير على جادة آمنة تدرأ عنه عصيّ وقمع «المطاوعة» ومن لف لفيفهم فلا ألومه، فالحياة حلوة ولا يجوز هدرها بجرّة عبارة تستوجبها الشفافية والصدق مع الذات! والحق أن كتابة السيرة الذاتية ورطة، والكلمة مثل الطلقة إذا خرجت لا تعود أبداً.

إن الصعاليك أطفال لا يشيخون أبداً، أو بمعنى أدق «من يبلغ الشباب متأخراً، يحتفظ بشبابه أمداً طويلاً» بحسب قولة الحكيم «زرادشت». ولحسن حظينا أننا لم نبلغ سن الرشد بعد... وثمة أمد طويل لبلوغ الشباب «الزرادشتي» المتأخر! وأحلى شتيمة يمكن أن نفرح بها لحد «الانشكاح» هي: عساك ما تكبر، أو: ربنا يوقف نموك بلسان أهل مصر المحروسة.

الحق أن السيرة أثارت الشجون ومشاعر شتى تتلون بألوان قوس قزح... الذكريات وما انطوت عليه من نجاحات وإخفاقات وأخطاء وخطايا... وما خفي أنكى وأسوأ!

لقد سبق لي مرة الكتابة عن السيرة، ولا يحتاج أحد إلى تكرار ما قلته آنذاك، أمر واحد تهمني الإشارة إليه وهو أن «بن فليّح» قد نعتني بالمعلم والأستاذ بإلحاح وإسراف ذوي عيار ثقيل! ومن دون تواضع أجوف لست معلماً لأحد! لأن «سليمان فليّح» اقتحم «جوسق العبادلة» في الجابرية شاعراً حادياً لم يكن بحاجة إلى معلم ودروس خصوصية وما إلى ذلك، كل ما كان يحتاجه هو فضاء يمارس فيه إبداعه الشعري والنثري، أما العبد لله فحسبه أن يقول لأخينا مقولة «جون أيدرن هالييه»: «عندي الأخطاء كلها، تلك هي ميزتي الأساسية» وهي سبب عزوفي عن نشر سيرتي الذاتية!