لست مضطراً للتأكيد على وطنيتي وأنا أكتب عن حالة التوتير المستمرة منذ حادثة اغتيال الإرهابي عماد مغنية وردود الفعل عليه، لكن ومع بعض الهدوء أصبح بإمكان الإنسان الكتابة كي يُقرأ بشكل أدق.

Ad

أظن أن بداية الخلل كان في عدم تحرك الحكومة بشكل سريع وإعلانها للمعلومات التي تعرفها هي فقط ولا يعرفها غيرها حتى الآن عن مغنية وحادثة اختطاف «الجابرية»، فهي (الحكومة) فقط من يمتلك تلك المعلومات (ربما يشاركها ذلك من ساهموا في المفاوضات من بلدان عربية أخرى).

إن السيناريو المفترض لتفادي التصعيد إلى ما هو أبعد من محاسبة المخطئين، يمكن أن ألخصه في رواية مفترضة لما لدى الحكومة من معلومات. فقد أدت مفاوضاتها إلى الإفراج عن الطائرة وركابها (بعد استشهاد الشهيدين) وجاء ذلك بالتأكيد كصفقة لا نعلم تفاصيلها. لذا أرى أن بإمكان الحكومة فتح الملف الآن ونشر ما يمكنها من تفاصيل غابت عن الجميع (ربما لأن الاتفاق مع الخاطفين كان يشمل عدم متابعتهم قانونياً أو بأي شكل آخر أو حتى الإعلان عن هوية القائمين بالعملية).

أقول إن نشر تلك المعلومات بمجرد الإعلان عن تفجير مغنية كان من شأنه وضع النقاط على الحروف بما لا يدع مجالاً لأي تفسير أو حتى مطالبة من قبل من يرى أن إدانة مغنية لا تجوز إلا بحكم من القضاء. أنا أظن أن الحكومة الكويتية تعلم مع من كانت تتفاوض، وتعلم ما قدمت من تنازلات بعد ثلاثة أسابيع من التفاوض مع الخاطفين، وتعلم أيضاً ما التزمت به للأطراف الوسيطة (ربما كانت قد التزمت بعدم الإشارة إلى تورط مغنية في العملية) وتعلم الكثير الكثير من التفاصيل حول علاقة مغنية بالمساجين الذين طالب خاطفو «الجابرية» بالإفراج عنهم.

الحكومة تعلم كذلك أي العمليات الإرهابية كانت من تنفيذ جماعة مغنية، أو تلك التي نفذها «حزب الدعوة» آنذاك، فالخلط الذي نقرؤه في المقالات ونسمعه من العامة عجيب للغاية، بحيث اختصرت كل الأعمال الإرهابية في الثمانينيات بعماد مغنية وكأننا بذلك نبرئ الإرهابيين الآخرين.

أقول لو أن الحكومة أعلنت مبكراً عمّا تعرفه ولا يعرفه أحد غيرها عن هذا الرجل لما تجرأ أحد على التأبين أو تبريره في ما بعد.

أما ما وصلت إليه الأمور في مطالبات بعضهم فخطيرة هي الأخرى، كأن يطالب الناس بتطبيق القانون لوقف التأبين من دون معرفة أن قانون التجمعات (غير المأسوف على إلغائه) هو القانون الوحيد الذي كانت تسند إليه الحكومة في منع أي تجمع، وهناك من يطالب وبشكل غامض بضرورة إعادة هيبة الدولة عن طريق «البطش» بمن أخطأ في حقها، وكأنه هنا يطالب بإعادة محكمة أمن الدولة (غير المأسوف على إلغائها أيضاً). أقول إن تلك المطالبات قد تكون ردة فعل للغضب واستنكاراً للتأبين، لكنها لم تكن متوقعة أن تصدر عن أناس يفترض فيهم معرفة أكثر في السياسة والقانون، كما يجب ألا تستخدم الحكومة الأحداث الأخيرة مبرراً لاقتراح قانون جديد للتجمعات.

إن المؤسف أيضاً أن يترك بعضهم لنفسه العنان بتفريغ كل الشحنات الطائفية المكبوتة تحت مبرر الفزعة للوطن حتى وصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بسحب الجنسية والتسفير وغيرها من المطالبات التي تنم عن انتظار مكبوت لمثل هذه الفرصة.

أنا أعرف أغلب نواب «الشعبي» بشكل شخصي، ولم أتفق مع كثير من أطروحاتهم كتكتل أو كأفراد، بل أختلف اختلافاً كلياً وجذرياً مع موقف السيد عدنان عبدالصمد وأحمد لاري من عماد مغنية، وأرى أن تأبينه خطأ كبيرٌ لا يفترض أن يفوتهم وهم من هم في السياسة. ومع اختلافي مع أعضاء «الشعبي» إلا أنني أجزم بأنهم رجال وطنيون مخلصون لهم مواقف وطنية صادقة وشريفة أزعجت الكثيرين من سراق المال العام، وجعلت من الطعن فيهم كأفراد أو ككتلة ديدناً لهؤلاء الخصوم، وللأسف الشديد انساق الكثيرون وراء التصعيد المراد استمراره مع نسيانٍ أو تناسٍ تام لتاريخ هؤلاء الرجال.

من جانب آخر، أعرف من يكون «حزب الله»، وأعرف دوره في التصدي للكيان الصهيوني، لكني لا أتفق معه في موقفه من الدولة اللبنانية كالتصرف وكأنه دولة داخل الدولة، وأعرف أن الحزب الآن غير الحزب في الثمانينيات، لكن الموقف من «حزب الله» يجب ألا يختلط علينا نحن الكويتيين. فمن حق الذين يحترمون هذا الحزب (في أي مكان من العالم) الاستمرار في احترامه وتقديره، فهذا شأنهم، لكن من حقنا جميعاً ككويتيين أن نرى في مغنية إرهابيا وقاتلاً بغض النظر عن دوره في الحزب أو في التصدي لإسرائيل، وليس علينا أن نختار بين احترام «حزب الله» بمن فيه مغنية أو احتقار الحزب بأكلمه بسبب مغنية.

الخطأ يبقى خطأً بغض النظر عمن ارتكبه، بل إن ارتكاب العقلاء للأخطاء أشد وطئاً وخطورة من أخطاء الجهلاء، لذا وعلى الرغم من انتقال الأمر بكل تفاصيله إلى القضاء فإنني لاأزال أتوقع موقفاً عاقلاً يحسم الجدل، وأتوقع موقفاً حكومياً تفصيلياً حول ما تعرفه عن اختطاف «الجابرية» لتنهي الجدل بشكل نهائي.