أمام هذا التلوث البيئي الرهيب المسبب للأمراض المستعصية، لابد من تحرك رسمي وشعبي لأن الخطر أصبح يهدد حياتنا جميعاً، ولعله من المأمول هنا أن تكثف الجهود للمزيد من التوعية الشعبية والضغط على الجهات الرسمية لتنفيذ قوانين حماية البيئة.هناك تدمير مخيف للبيئة في الكويت على المستويات جميعها، بدءاً من كثرة استخدام المستهلكين المواد المضرة بالبيئة؛ كأكياس البلاستيك، والمبيدات الحشرية، والأوراق غير القابلة لإعادة التصنيع، والملصقات «البوسترات» التي توزع بشكل رهيب وقت الانتخابات الطلابية وانتخابات مجلس الأمة وغيرها من الانتخابات، وكذلك الدعايات والإعلانات الورقية الملونة للمطاعم والمحال ولجان جمع الأموال التي توزع بشكل مجاني وتوضع عنوة على السيارات وأبواب المنازل ونوافذها، وانتهاء بالتدمير الخطير للبيئة البحرية والساحلية والصحراوية من قبل جهات حكومية وشركات خاصة متنفذة.
مع هذا الدمار البيئي كله الذي ينتج عنه التلوث البيئي بمستوياته جميعها والذي يصنف، كما تؤكد التقارير العلمية، ضمن الأسباب الرئيسة لبعض الأمراض الخطيرة كالسرطان والسكري والتخلف العقلي ونقص المناعة، فإنه لا يبدو أن هناك اهتماماً جدياً رسمياً أو شعبياً بوضع حد له.
فلقد أثيرت إعلامياً قبل سنوات قليلة مشكلة التلوث البيئي الذي تتعرض له منطقة أم الهيمان وتأثيره في صحة سكان المنطقة، وقد عقد الأهالي ندوات عدة موضحين خلالها معاناتهم النفسية والصحية مع التلوث البيئي. حضر هذه الندوات بعض أعضاء مجلس الأمة، إذ «طق» بعضهم الصدر، ومن ضمنهم أعضاء المنطقة، متعهدين بحل المشكلة بشكل سريع، ولكن للأسف لا تزال المشكلة كما هي رغم «دق الصدور» النيابية والوعود الحكومية الكثيرة!
ومنذ أكثر من عشر سنوات أثيرت أيضا مشكلة النفايات الموجودة في منطقة القرين، ووعدت عدة جهات رسمية وبرلمانية بإيجاد حلول سريعة لها وصرح وقتها المدير الأسبق للهيئة العامة للبيئة وهو على ظهر «تراكتور» وهو باللباس الافرنجي وقبعة الميدان تحيط به الكاميرات من كل جهة، تصريحات «صاروخية» متعهداً فيها بتحويل مكان النفايات إلى حديقة عامة في مدة زمنية قصيرة! وبما أننا لم نسمع حتى الآن أن هنالك حديقة عامة في منطقة القرين، فإننا لا نعرف ماذا حلّ بالنفايات السامة المسببة للسرطان والأمراض الأخرى؟
ويبدو أن التلوث البيئي في ازدياد، فقد ذكر مدير دائرة العلوم البيئية في معهد الكويت للأبحاث العلمية د.عبدالنبي الغضبان لـ«الجريدة» بتاريخ 10/10/2007 «أن مياه الخليج تتعرض للتلوث وأن البيئة الساحلية والبحرية في الكويت تتعرض للعديد من الملوثات مثل: التلوث النفطي، والتلوث بمياه الصرف الصحي، والتلوث الحراري، والتلوث بالمواد الكيميائية والمعادن الثقيلة. وأن الشريط الساحلي يتعرض لتعديات من بينها بناء المسنات، وانتشار النقع، وأعمال ردم الشواطئ ودفنها، وبناء الحواجز الخراسانية، وقلع الصخور ونقل الرمال الشاطئية، كما أن هناك استنزافاً للثروة السمكية «وقد» تم رصد كميات من النفط الخام الناجم عن حرب الخليج الأولى في منطقة رأس الصبية وجزيرة بوبيان على شكل خنادق نفطية أعدها النظام العراقي البائد».
وفي اليوم نفسه أي بتاريخ 10/10/2007 ذكر السيد خالد الهاجرى رئيس جماعة الخط الأخضر البيئية الكويتية في مقابلة له مع جريدة عالم اليوم أن المجتمع الكويتي ظل يتجرع أخطر أنواع الملوثات السامة التي بدأت بالتسرب منذ سبعينيات القرن الماضي بعد إنشاء وزارة الصحة مستشفيات احتوت على أخطاء بيئية وهندسية شنيعة، إذ أنشئت محارق للنفايات الطبية الخطرة داخل هذه المستشفيات، مضيفاً «أن المحارق العاملة حالياً، التي تقع وسط المناطق السكنية، هي محرقة مستشفى الجهراء، ومحرقة مستشفى مبارك، ومحرقة مستشفى العدان، ومحرقة مستشفى الطب النفسي، ومحرقة مستشفى الأمراض السارية».
أمام هذا التلوث البيئي الرهيب المسبب للأمراض المستعصية، فإنه لابد من تحرك رسمي وشعبي لأن الخطر أصبح يهدد حياتنا جميعا، ولعله من المأمول هنا أن تكثف جماعة الخط الأخضر البيئية من جهودها الطيبة للمزيد من التوعية الشعبية والضغط على الجهات الرسمية لتنفيذ قوانين حماية البيئة، وكذلك تفعل الجمعية الكويتية لحماية البيئة التي لم نعد نسمع لها صوتاً! كما أن على مجلس الأمة الدعوة إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة التلوث البيئي وتحمل مسؤوليته الوطنية تجاه حياة البشر.