يتبادر إلى الذهن إزاء المشهد السياسي الكويتي تساؤل حول ما إذا كان النظام السياسي الكويتي نظام دستوري ديموقراطي، راسخ الجذور أم إنه بناء من«شرق ورق» تعصف به حبة ريح خفيفة، ففي الأنظمة الديموقراطية راسخة الجذور تعتبر الخلافات التي تطفح على سطح الحياة السياسية أمراً عادياً لا تثير أزمة، ولا تؤدي إلى مأزق سياسي، ويجري التعامل معها اختلاف، حتى لو تحولت إلى أزمة، بالطرق والآليات المقررة في الدساتير واللوائح الداخلية المنظمة للعمل البرلماني والسياسي، وعادة لا تستقيل حكومات، ولا تحل برلمانات لإجراء انتخابات جديدة إلا إذا استعصى الأمر على استمرار الحكومة لفقدانها ثقة البرلمان، أو اختلاف أطرافها إذا كانت مشكلة من ائتلاف أحزاب.ففي الولايات المتحدة خرج كولن باول بخلافات سياسية، وطار رامسفيلد لمعارضة الديموقراطيين له وسياسته في حرب العراق، ونحى أو أقيل وولفوفيتز لخطأ يعتبر بسيطاً، وكذلك في بريطانيا خرج من وزارة توني بلير شخصيات تعتبر زعامات حزبية مثل روبن كوك وزير الخارجية الأسبق، وجاك سترو وزير الخارجية السابق، وديفيد بلونكيت وزير الداخلية، وأخيرا سوف يتنحى بلير الذي يواجه خلافا وصراعا مع حزبه حول الحرب في العراق، وقبل بلير أقدمت مارجريت تاتشر على تغيير معظم وزرائها بمن فيهم زعامات كبيرة ومهمة في حزب المحافظين.
وفي فرنسا تغير رئيس الوزراء بعد الصدام مع اتحادات العمال حول تعديل قانون عقود العمل، والتصويت على الاتحاد الأوروبي فذهب بيير رافران، وحل محله دوفيلبان، وكذلك في ايطاليا استقالت حكومة رومانو برودي لخلاف بين أحزاب الائتلاف الحكومي قبل أشهر، وأعيد تشكيلها بعد تسوية الاختلافات.والأمثلة كثيرة في الأنظمة الديموقراطية عن الخلافات والصراعات السياسية، حول قضايا ومواقف سياسية بعضها كبير وخطير وبعضها أخطاء أو هفوات صغيرة مثل ما حصل لوولفوفيتز وبلونكت، وآخرها ما نشاهده هذه الأيام في الكيان الصهيوني من صراعات داخل حزب العمل، وداخل حزب رئيس الوزراء أولمرت، وقد تنعكس على تركيب الحكومة الحالية وبقائها.وفي كل هذه الأنظمة يتم تجاوز الخلافات والصراعات والأزمات السياسية وفق الدساتير والأنظمة والأعراف السياسية، فاستجواب وزير أو تنحيته، أو حتى طرح الثقة بحكومة أو استقالتها بكاملها لا تؤدي إلى مأزق سياسي يعطل حياة البلد، فأي احتقان سياسي يتم تجاوزه وفق الآليات التي رسمها الدستور، وهذا التعامل مع الاختلافات والصراعات هو ما حقق لها الاستقرار والتقدم وصانها من الركود والشلل.وإذا كان هذا شأن الأنظمة الديموقراطية الراسخة في مواجهة الاختلافات السياسية، فلماذا يعتبر في الكويت مجرد تقديم استجواب لوزير مشروع أزمة سياسية، أو زج في أتون مأزق سياسي؟هل الكويت كيان من«الكرتون» أو بناء من «شرق ورق» يعصف به استجواب يقدم ضد وزير ؟ فيجري التلويح بحل مجلس أو تعليق الدستور.ولماذا يتحرك بعض الأعضاء لقطع الطريق على تقديم الاستجواب تحت ذرائع مثل هذه المخاوف؟ في حين أن واجبهم حماية حق أي عضو زميل لهم في استخدام حقه الدستوري حتى لو اختلفوا معه، والحكم بعد المداولة للمجلس وللرأي العام.وما هو الأهم هل المحافظة على الدستور وتعزيز حكم القانون كإطار وقاعدة للاستقرار والتطور، أم بقاء وزير ، أي وزير في موقعه؟وبالنسبة للوزير الجراح فمساءلته ليست لأسباب شخصية، وإنما لقناعة عدد كبير من الأعضاء، وقطاع واسع من الرأي العام انه ارتكب خطأ جسيماً بتصريحه الذي أصبح مشهورا، وكشف عن حقيقة موقفه إزاء قضية يفترض فيه أن يكون محامي الدولة فيها، وليس محامي المتهم في جريمة التعدي على المال العام.وفي أي من الأنظمة المشار إليهاعالية، مثل هذا الخطأ يوجب الاستقالة الفورية والتنحي، أو الاستجواب وفقا للدستور والأعراف البرلمانية.والأمر الآن يعود لحكمة وحنكه القيادة السياسية في التعامل مع الوضع بمنظور ترسيخ مشروع بناء دولة القانون والمؤسسات، وليس بالنظر إلى دولة الكويت ونظامها السياسي كبناء من الكرتون أو بناء من«شرق ورق» يطير وينهار بتهديد أو تلويح أو «نفخة».
مقالات
هل الكويت... شرق ورق؟
11-06-2007