خذ وخل: هي فوضى؟

نشر في 09-12-2007
آخر تحديث 09-12-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

إننا متحدون في ممارسة القمع ولله الحمد، من الخليج إلى المحيط! ومن هنا تجد أن مجلس وزراء الداخلية العرب يجتمع في موعده، مهما كانت العلاقات متوترة بين الأشقاء! ومن هنا أيضاً فإن هتاف فيلم «هي فوضى؟» لا يخص مصر المحروسة فحسب، بل ينسحب- بالضرورة- على كل الأقطار العربية.

* لا أعرف ما اذا كان المجلس الوزاري لوزراء الداخلية العرب قد لاحظ- مثل بقية خلق الله- العلاقة الشينة السيئة بين رجال الأمن والشرطة، والأهالي والمواطنين في كل الأقطار العربية، والتدليل على سوء العلاقة يتبدى في نشرات الأخبار على الهواء مباشرة، وكأنه طقس يومي يشابه تمارين الصباح اليومية على القمع والقهر، فضلاً عن الحوار والجدل بالتي هي «تكلبش» وتصفد وتضر مسببة عاهات أزلية، وعلامات فارقة بالدم المتخثر بالقمع السادي المريض!

تداعت هذه الخواطر وغيرها إلى ذاكرتي وأنا أشاهد فيلم «هي فوضى؟» للأستاذ يوسف شاهين، هذا المبدع الثمانيني الذي ما برح يثير الدهشة والإعجاب، فضلاً عن الجدل الذي يسبق ويلحق عرض أفلامه. يتمحور الفيلم بشأن العلاقة بين السلطة والممثلة هنا برجال الأمن والشرطة من جانب، والشعب على الجانب الآخر، ومن الجدير بالذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي عرض في دورته الأخيرة أفلاماً روائية مغربية عن «سنوات الرصاص»، وهو الاصطلاح الذي نحته اخواننا المغاربة لاختزال سنوات تشوهت بمحاولات الانقلاب، والاستجابة لها بالنفي والقمع، والسجن وراء الشمس، وكل ما تمخض عن هذه السنوات من ممارسات غير ديموقراطية ولا سوية، إننا متحدون في ممارسة القمع ولله الحمد، من الخليج إلى المحيط!

* ومن هنا تجد أن مجلس وزراء الداخلية العرب يجتمع في موعده، مهما كانت العلاقات متوترة بين الأشقاء! ومن هنا أيضاً فإن هتاف فيلم «هي فوضى؟» لا يخص مصر المحروسة فحسب، بل ينسحب- بالضرورة- على كل الأقطار العربية، فتتداعى لما يجري لها وفيها، بالتأسي والاحتذاء والتقليد الخلاق! ولذا أتوقع عرض فيلم «هيه فوضى؟» في أغلب الديار العربية بدافع أن أحداث الفيلم مصرية صرف، ولا تعني بقية العرب الذين ما برحوا يرفعون شعار «الشرطة في خدمة الشعب!» وأحسبني لست بحاجة إلى التدليل على أنه شعار خاو لا يمت إلى واقع الحال بصلة! وقد يتساءل القارئ لم لا أتحدث عن «هي فوضي» ومضمونه، وشخوصه، وكل التفاصيل المتوخاة من كاتب «ينقد» كل شيء ولله الحمد! ماذا أقول؟! إن عذري أقبح من فعلي! ذلك انه ما إن بدأ «تتر» الفيلم يتمظهر ؟؟ مصحوباً بالموسيقى التصويرية الرائعة للموسيقي الفنان ياسر عبدالرحمن، حتى وجدتني أعانق سلطانة النوم على إيقاع شخير نشار غير متناغم مع سيمفونية الصمت المخيمة على الصالة، وليس عندي تفسير لحالة النوم التي داهمتني على حين غرة، ومن حيث لا أحتسب ولا أريد! كنت أشاهد الفيلم بربع عين، وكما الذي يقرأ سطراً، ويترك سطراً، قلت لنفسي وأنا أحاورها، محاولاً تعليل ما حدث... لعلني وجدت أن دراما الواقع العربي أكثر «تراجيدية» واطفح «ميلودرامية» من سيناريو الفيلم وخيال مبدعه، مع الاحترام الشديد له! ومع ذلك لم يبلع أحد ويهضم واقعة إغمائي ورقادي داخل صالة العرض... رغم يقينهم بأن النوم سلطان ينصاع له المرء حال حضوره! وقد يكون في مقدور الإنسان مجابهة كل السلاطين، سوى سلطان النوم!

* الشاهد، نرجع إلى محور الفيلم الأساسي المكرس لحالة العداء بين السلطة والمجتمع، كما أسلفت ويمثل هذه السلطة: أمين شرطة فاسد وظالم وقمعي، يجابه الرأي الآخر المتبدي في ممارسات الاحتجاج والرفض والاعتراض، بعدة وعتاد وفعل القمع! وكنا نتمنى لو كان حضرته على شاكلة أمين الشرطة الذي غنت له وتغنت به سعاد حسني في فيلمها الأشهر «خلي بالك من زوزو»، الشاهد أن أمين شرطة فيلم «هي فوضى» يفرض سطوته واستبداده على المواطنين البسطاء، ويتجاوز ويتستر على أفعال الكبار ذوي الحيثية والعزوة والجاه والمال. وهو يحب جارته المُدرسة «منة شلبي»، حب الامتلاك الذي يحق له الاستحواذ عليه عنوة وقسراً، لكن المُدرسة تميل إلى وكيل النيابة العالق بفتاة مغناج لعوب، مسرفة على نفسها حيث لا تجد غضاضة في ممارسة الموبقات... والعياذ بالله! الأمر الذي يحرض والدة الوكيل، ناظرة المدرسة، على أن تحث ولدها على قطع علاقته بفتاته اللعوب فيفعل، حين يشاهد بأم عينه سلوكها غير السوي، ومن ثم يلتفت إلى المدرسة الطيبة المولعة به، وينتهي الفيلم نهاية «ميلودرامية»، حيث يخطف أمين الشرطة المُدرسة ويهتك عرضها، ويفض عذريتها، ويتبادل إطلاق النار مع مطارديه فيردوه قتيلاً، ربما لإرضاء المشاهدين الشباب الذين ملأوا صالة العرض بحضورهم، وشاهدوا هذا الشرطي الفاسد يعيث إرهاباً وعنفاً وتعذيباً في عباد الله الموقوفين المحبوسين في سرداب سري لا يعرف موقعه سواه وزملاؤه المتسترون على فعلته! وسيختلف النقاد والكتاب ومن لف لفهم عن قيمة الفيلم ومعناه وغايته، كما هو رأيهم دائماً، لكن جمهور السينما يقبل عليه بشغف واضح على غير عادة أفلام «شاهين» السابقة التي قد تحظى بإعجاب النقاد، ولا تجد قبولاً ورواجاً لدى عامة الناس، فالأكاديمية الناقدة الدكتورة عزة هيكل تجد في الفيلم «ثورة المقهورين ضد الفساد»، كما يقول عنوان مقالها لصحيفة «الوفد» الصاردة 6 ديسمبر الجاري، والذي تختمه بقولها «هي فوضي؟» فيلم يضيء شاشات العرض وقلوب المشاهدين، ويلمع كإشارة ضوئية تنذر من يهمه الأمر، وتدق ناقوس الخطر من ذلك العصيان المدني الوشيك، والذي يبشر الفيلم به ويحدس في نهاية العرض حين يهجم الناس المقموعون على مخفر الشرطة غير عابئين بالغاز المسيل للدماء وبالهراوات المسيلة أيضا للدماء!.

back to top