قلة من السياسيين المهمين يعرفون كيف يصونون ألسنتهم، وأقل منهم من يتعرض للّوم لأجل ذلك. وقد كان السيناتور ريتشارد لوغر (جمهوري- ولاية إنديانا) الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس من أولئك الذين تعرضوا للوم، ،لاسيما في هذه الصحيفة، بسبب رفضه انتقاد أسلوب تعامل إدارة بوش الكارثي مع حرب العراق. وتسبب خطاب لوغر، حتى الآن، في هزات شديدة في البيت الأبيض ويستحق أن يقرأ على نطاق واسع، فقد طرح حجة مقنعة لتغيير المسار في العراق الآن قبل تقرير الجنرال ديفيد بترايوس للكونغرس في سبتمبر المقبل، وقبل أن تتضرر المصالح الأميركية الأوسع في الشرق الأوسط بشكل يتعذر إصلاحه، وقبل أن يؤدي موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى تسوية سياسية محلية، وقبل أن يُصاب الجيش الأميركي ذاته بشكل خطير.

Ad

لقد حظي خطاب لوغر بتغطية مكثفة من قبل وسائل الإعلام جزئيا بسبب أهمية الموضوع الحيوي. وتقول الحكمة التقليدية في واشنطن إن الرئيس بوش ربح حتى هذه اللحظة لعبة الدجاجة السياسية مع الديموقراطيين الذين لم يجدوا سبيلاً لقطع التمويل عن حرب العراق من دون الخضوع لتهمة تعريض القوات الأميركية للخطر. ويستمر التفكير في أن سياسة البيت الأبيض تجاه العراق لن يتم التأثير فيها إلا من قبل الجمهوريين. ولهذا عندما يتراجع موال ٍ مهم مثل لوغر علناً، وهو الذي لا يواجه معارضين سياسيين وهتافات في واحدة من الولايات القليلة التي لا يزال الرئيس يحظى فيها بشعبية، وينضم إليه شخص آخر يميل الى تيار الوسط في الحزب الجمهوري العريق، وهو السيناتور جورج فوينوفيتش من ولاية أوهايو، فهذا أمر يستحق المتابعة.

ولكن الحسبة السياسية تفترض مقدماً إمكان التأثير على الرئيس بواسطة سياسيين آخرين أو عن طريق الرأي العام. وهذا أمر مشكوك فيه بحكم الخطاب الانفعالي والمؤدلج إلى حد بعيد الذي ألقاه بعد ثلاثة أيام من خطاب لوغر. وبخلاف التقارير التي ذكرت أن البيت الأبيض يبحث عن تسوية، دافع بوش بشكل متغطرس عن سياسته في «الاندفاع»، وأكد أن العراقيين من جميع المشارب يصطفون لمحاربة ما أدركوا أنه عدوهم المشترك: «القاعدة».

هل كان الأمر كذلك؟ «إن شاء الله»، كما يقول العرب. ولكن حتى الآن لا يوجد دليل على مثل هذا التصور الرائع، بينما تتكاثر النزاعات البشرية: ليس فقط الشيعة مقابل السنة، ولكن الشيعة ضد الشيعة، والشيعة المتطرفون ضد الأميركيين، والأكراد ضد العرب، والعراقيون السنة في الأنبار ضد مؤيدي «القاعدة» من السنة، والعصابات الإجرامية ضد فرائسهم الضعيفة، وهكذا. وحكاية الرئيس بشأن الحاجة إلى كفاح دولي ضد آفة الإرهاب ستكون أكثر إقناعاً لو كانت أقل تبسيطاً ومانوية (عقيدة قوامها الصراع بين النور والظلام).

من أجل ذلك يجب أن ينصت البيت الأبيض إلى لوغر. سيكره اليمين النتيجة التي توصل إليها بأن الاستراتيجية الحالية لن تستحق التكاليف التي بُذلت من أجلها وتوصيته بتخفيض عدد القوات. ولن يعجب اليسار توصيته بأن تترك الولايات المتحدة عدداً كبيراً من القوات في العراق لحماية مصالح أوسع في الشرق الأوسط. ولكن انشقاق لوغر مهما كان متأخراً، يضع أساساً لحوار مؤيد من الحزبين بشأن العراق- إذا كان لا يزال إجراء مثل هذا الحوار المتمدن أمراً ممكناً.