كيف تحولت أرض فتاة غوانتنامو، بلاد النخيل، والوردة البيضاء المزروعة لقساة القلوب، إلى محطة لتأصيل الجريمة الإنسانية، ولماذا تم اختيار ذلك المكان ليصبح رمزاً لكل ما هو غير إنساني؟ تعرف غوانتنامو اليوم بأنها موقع لأكبر شاهد على انتهاك حقوق الإنسان في العصر الحديث، بل يمثل المعتقل، الذي شيدته الولايات المتحدة، انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني دونما اعتبار لمبادئ العدالة الأميركية ذاتها.
ولكن الشهرة، التي حازتها غوانتنامو، لم تظهر في فضاء العالم من خلال القسوة والصلف والغرور، ولكنها تم تخليدها من خلال قصيدة للشاعر الكوبي خوسيه مارتي، ذلك الشاعر المناضل ذو الإحساس المرهف. وحين لحنها الموسيقار الكوبي فرنانديز دياز سنة 1928 على ايقاع رقصة الجواخيرة الكوبية الشهيرة، مضيفا لها مقطع «ارقصي يا فتاة غوانتناميرا»، لتصبح بذلك من أشهر الألحان والأغنيات في العالم قاطبة.
ظل خوسيه مارتي.. الشاعر الإنسان الذي تقطر أشعاره إنسانية مناضلاً ضد الاحتلال الإسباني لكوبا. وحتى عندما تم نفيه إلى إسبانيا عاد مرة أخرى إلى كوبا، واستمر في مقاومة الاحتلال حتى قُتل في الحرب الثانية للاستقلال سنة 1895، ولم يكن حينها قد أكمل 42 عاماً، ربما لم يتخيل خوسيه مارتي أنه سيأتي يوم تتحول فيه أرض الأحلام تلك إلى معتقل بغيض يفترض أنه يمثل عصارة الحضارة الغربية.
تقول كلمات قصيدة خوسيه مارتي:
فإنني إنسان أتعامل بصدق وإخلاص
من تلك البلاد التي يُزرّع فيها النخيل
ولكنني قبل الموت وقبل الرحيل
سأتيح الفرصة لأشعار قلبي أن تنطلق
إن شعري أخضر كالحقول الممتدة
وهو أيضا أحمر يسطع كاللهيب
إن شعري ليس إلا غزال جريح ... يظل يسعى إلى ملاذ في الجبل
وها أنا أغرس وردة بيضاء
أغرسها في يناير كما أغرسها في يوليو
اغرسها لصديقي المخلص ... الذي يساندني ويمد يده لي
أما لقساة القلوب الذين يريدون انتزاع قلبي
من بين ضلوعي... فلهم أيضا لا أزرع الشوك
بل أزرع وردة بيضاء
وتعد تلك الكلمات المرهفة الإحساس التي كتبها خوسيه مارتي في زمن سحيق مضى، هي من أكثر الكلمات انتشاراً على مستوى العالم، بل إن من يردد اللحن لا يدرك معناها فهي باللغة الإسبانية على أي حال.
ولكن كيف تحولت أرض فتاة غوانتنامو، بلاد النخيل، والوردة البيضاء المزروعة لقساة القلوب، إلى محطة لتأصيل الجريمة الإنسانية، ولماذا تم اختيار ذلك المكان ليصبح رمزاً لكل ما هو غير إنساني؟
للحديث بقية