Ad

لا اجتهاد مع صراحة نص المادة (56) التي جاء حكمها عاماً ومطلقاً، والعام يسري على عمومه والمطلق يجري على إطلاقه، ومن ثم يكون للأمير صلاحياته الدستورية في إعفاء الوزير الموجه إليه الاستجواب من منصبه الوزاري أو تقليده منصباً وزارياً آخر، فتشكيل الحكومة والتدوير من الصلاحيات الدستورية المطلقة للأمير التي لا تكون محلاً للاستجواب.

طرح الاستجواب والأحداث التي صاحبته تساؤلات عن عدد من القضايا الدستورية تناولت في مقالتي الاثنين الماضي إحداها، وتدور بشأن الحق الدستوري في الرد على الاستجواب، وقلت إنه مستمد من حق الدفاع الذي يعتبر أصل الحقوق والحريات لأنه يزود عنها جميعاً.

وقد كان من الضروري أن نطرح التدوير الوزاري وتداعياته، كقضية مستقلة لما أثاره من تداعيات في الاستجوابين الأخيرين، وإن كان لا يخرج عن كونه تخلياً من الوزير عن منصبه، وهي القضية التي سنطرحها في المقال القادم بإذن الله.

وبادئ ذي بدء، فإن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد رتبت على نزول المستجوب عن استجوابه أو غيابه عن الجلسة المحددة لنظر الاستجواب، عدم جواز نظر الاستجواب، لتتيح لأي نائب أن يتبناه في أي من الحالتين فيستمر المجلس في نظره، أما تخلي الوزير عن منصبه فقد رتبت عليه اللائحة سقوط الاستجواب، باعتباره أثراً ونتيجة حتمية لتخلي الوزير عن منصبه، ومن المقرر قانوناً أن الساقط لا يعود، ومن ثم فإن إدراج الاستجواب في جدول أعمال المجلس، بعد سقوطه لتخلي الوزير عن منصبه يكون تجاوزاً لأحكام اللائحة، إذ يجب على الأمانة العامة للمجلس رفعه من جدول الأعمال، وهو ما كان يمكن أن يجنب المجلس المناقشات التي دارت في جلسة الاثنين 30/10/2007، والتي لوّح فيها بعض الأعضاء باستجواب سمو رئيس الحكومة بسبب التدوير الوزاري، وهو ما طرح بقوة قضية التدوير الوزاري وأثره ومدى جواز المساءلة السياسية فيه.

ويطل في هذا الصدد نص المادة (142) من اللائحة الداخلية التي نصت على انه «يسقط الاستجواب بتخلي مَن وُجه إليه الاستجواب عن منصبه...»، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً، عن سقوط الاستجواب على هاتين الحالتين، ولكن اللائحة الداخلية آثرت أن تستخدم تعبير «إذا تخلى الوزير عن منصبه»، ليشمل الحالتين فضلا عن حالة التدوير الوزاري.

ولئن كانت المذكرة التفسيرة للدستور، في تناولها لضمانات السلطة التنفيذية وتحذيرها من المبالغة فيها، كان من بين ما استطردت فيه أن تجريح الوزير إذا ما استند إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد اصداؤها في الرأي العام، سوف يكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار عن الوزير، ولو لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية الكبيرة اللازمة لإصدار قرار بعدم الثقة، مما قد يحمل على الظن بأن إقصاء الوزير عن الحكومة قد يكون الخيار الوحيد المطروح على صاحب السمو الأمير في هذا السياق.

إلا أن ما ورد في المذكرة التفسيرية لا يمكن أن يكون قيداً على الأمير في استخدامه لصلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة (56) من الدستور، والتي تخوله صلاحية تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم، لأنه وإن كانت المذكرة التفسيرية للدستور ملزمة شأن الدستور ذاته، إلا أنه لا اجتهاد مع صراحة نص المادة (56) التي جاء حكمها عاماً ومطلقاً، والعام يسري على عمومه والمطلق يجري على إطلاقه، ومن ثم يكون للأمير صلاحياته الدستورية في إعفاء الوزير الموجه إليه الاستجواب من منصبه الوزاري أو تقليده منصباً وزارياً آخر.

ومن هنا فإن التلويح باستجواب رئيس الحكومة، بسبب التدوير الوزاري، يكون قد ورد على غير محل له، لأن صلاحيات الأمير الدستورية لا يمكن أن تكون محلا لاستجواب، إلا اذا كان يمارسها بواسطة وزرائه، إعمالا للمادة (55) من الدستور، ففي هذه الحالة وحدها تكون المساءلة السياسية، ويكون استجواب رئيس الوزراء والوزراء، حتى ولو كان ما يباشرونه من أعمال السلطة التنفيذية يتطلب صدور مرسوم به، لأن صدور مثل هذا المرسوم لا يعفي الوزراء من مسؤوليتهم السياسية عن هذه الأعمال.

أما الأعمال التي يمارسها الأمير وتكون قصراً عليه، مثل تعيين ولي العهد وتعيين نائب الأمير وتنظيم صلاحياته، وتعيين رئيس الوزراء وإعفائهم من مناصبهم، والتي لا تُطرح أصلاً وأساساً على مجلس الوزراء فإنها تكون بمنأى عن الاستجواب.

ولا ينهض سنداً للقول بغير ذلك أن يكون تعيين الوزراء بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء، لأن القرار النهائي في هذا التعيين يكون لصاحب السمو الأمير الذي لا يجوز الزج باسمه في استجواب إعمالا للمادة (54) من الدستور التي تنص على أن «ذات الأمير مصونة لا تمس».

الأمر الذي لا يجوز معه أن يُزَّج باسم الأمير في أي استجواب يُوَجه الى الحكومة.

وهو ما جسده مجلس النواب في مصر عندما قرر عدم الزج باسم الملك في احد الاستجوابات، لأن اسمه وذاته مصونة لا تمس، (جلسة 18 و19/5/1943-المضبطة 40 ص 1697).

كما قرر مجلس الشيوخ المصري عدم مناقشة استجواب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء عن أسباب تأليف الوزارة، لاعتبارات متصلة بالدستور وامتيازات العرش وحقوقه (جلسة 29/4/1940 ص 190 وما بعدها).