من الخطأ مواصلة بعض الأطراف السياسية والقوى الطائفية عملية شحن وتهييج العواطف الطائفية الملتهبة، والقيام بتوزيع صكوك الخيانة الوطنية والعمالة، والمطالبة بسحب الجنسية وإسقاط العضوية البرلمانية ممن نظم وشارك في هذا النشاط السياسي قبل أن يأخذ القانون والعدالة مجراهما.لا يمكن لأي عاقل أن يقبل بما قام به التحالف الوطني الإسلامي أو مؤيدو «حزب الله» من عمل استفزازي للشعب الكويتي تمثل في إقامة مجلس تأبيني للقائد العسكري لـ«حزب الله» اللبناني عماد مغنية، وهو المتهم الرئيسي في اختطاف طائرة الخطوط الجوية الكويتية «الجابرية» عام 1988 وقتل اثنين من ركابها الأبرياء وترويع الآخرين.
كما لا يمكن قبول أن يحتمي من قام بهذا التصرف الاستفزازي بأي مبررات واهية مثل تردد الحكومة وتأخرها في اتخاذ موقف محدد من اتهام عماد مغنية عن حادث «الجابرية»، حيث إن أي مبتدئ في علم السياسة يعرف طبيعة وتبعات مثل هذا العمل الاستفزازي الذي طال الشعب الكويتي بكل فئاته وطوائفه.
الآن وقد حصل التأبين وحمل ما حمل من تداعيات وتبعات سلبية، فإن الشعب الكويتي بكل فئاته وطوائفه مطالب بالمحافظة على الوحدة الوطنية ووضع الأمور في نصابها الصحيح من حيث:
أولا: حصر الواقعة في حدودها الطبيعية، وتحميل التحالف الوطني الإسلامي وأشخاص محددين هم النائبان عدنان عبدالصمد وأحمد لاري، ومن معهم من جماعة التحالف الوطني الإسلامي أو مؤيدي «حزب الله» المسؤولية السياسية عن هذا العمل الاستفزازي، فهم من قام بتنظيم ذلك الحدث السياسي والمشاركة فيه، وهم من دافع، ولايزال، عنه ومن الخطيئة الكبرى أن ينسحب ما قام به هذا التنظيم السياسي على كل إخواننا الكرام من الطائفة الشيعية، فليس كل المواطنين الذين ينتمون إلى هذه الطائفة هم أعضاء أو مؤيدون للتحالف الوطني الإسلامي أو «حزب الله» كتنظيمات سياسية دينية. كما أنه ليس للمذهب الديني أي دخل بالسلوك السياسي لتنظيم ما مهما حاول هذا التنظيم الادعاء بتمثيله لهذا المذهب. ومن الخطأ العلمي والسياسي القاتل التعميم هنا، لأننا لو عممنا كل فعل يقوم به فرد أو مجموعة أفراد من مذهب ما على عموم أبناء الطائفة أو المذهب لانسحب ما يقوم به بن لادن وجماعته على عموم أفراد الطائفة السنية! وهذا مجافٍ للمنطق وللواقع، ومن المؤسف أن هنالك قوى طائفية وسياسية تحاول أن تجيّر هذه الحادثة بشكل سافر لخدمة مصالحها الانتخابية أو لتحقيق مكاسب طائفية أو حزبية ضيقة على حساب المصالح الوطنية العليا متجاهلة أن اللعب بالنار الطائفية سيحرق الجميع وسيدمر الوطن خصوصاً في ظل الظروف العربية والإقليمية الملتهبة والشحن الطائفي البغيض المرافق لها. وللشعب الكويتي تجارب مريرة مع التطرف الطائفي الكريه بجميع أشكاله، خصوصا أثناء الحرب العراقية الإيرانية، إلا أنه تمكن بفضل تماسكه ووحدته الوطنية من تجاوزها.
ثانيا: لندع القانون والعدالة يأخذان مجراهما، فنحن في دولة مدنية دستورية، لذلك فمن الخطأ، الذي لا يقل ضرراً وطنياً عما قام به التحالف الوطني الإسلامي، مواصلة بعض الأطراف السياسية والقوى الطائفية عملية شحن وتهييج العواطف الطائفية الملتهبة، والقيام بتوزيع صكوك الخيانة الوطنية والعمالة، والمطالبة بسحب الجنسية وكأنها ورقة اليانصيب وإسقاط العضوية البرلمانية ممن نظم وشارك في هذا النشاط السياسي قبل أن يأخذ القانون والعدالة مجراهما.
ومن المستغرب هنا غياب دور الدولة في وأد الممارسات الطائفية الصغيرة التي من الممكن، لو تركت هكذا، أن تتحول إلى صراع طائفي سافر وبغيض، ومن أمثلة ذلك، تلك الكتابات الصحفية ذات النزعة الطائفية المقيتة التي يلجأ إليها المتطرفون من كلا الطرفين بعد البحث في كتب التراث العربي الإسلامي عن كلمة هنا وأخرى هناك للتهييج والتأليب الطائفي الممجوج، وهي كتابات تعتبر مضرة بالوحدة الوطنية، وتساهم في عملية الشحن والبغض الطائفي، ومن المفروض أن تقوم الحكومة بمقاضاة كتابها لإضرارهم بالأمن الوطني.
ثالثا: إن تماسك الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية ليسا مجرد أغنية عاطفية فارغة أو شعارات جوفاء تردد في المناسبات الرسمية، بل هي ممارسة فعلية، لذلك فعلى جميع الأطراف مسؤولية المحافظة على تلاحم المجتمع. وعلى القوى الوطنية الديموقراطية تحديداً أن تقوم بالمبادرة للدعوة إلى لقاء وطني عام تشارك فيه الرموز الوطنية التي تمثل الشعب الكويتي بكل فئاته وطوائفه، لنبذ التصرفات والأعمال الطائفية المتطرفة بكل أشكالها والتي تقوم بها أطراف وقوى طائفية من كلا الجانبين.