ما لدينا هو بعض من مكونات الديموقراطية غير المترابطة والمعلقة هكذا في الهواء، من دون نسيج يشد بعضها إلى بعض، ومثلما أن القمح والرحى والماء والخميرة والتنور ليست خبزا، فإن الانتخابات والأدوات البرلمانية والقنوات الإعلامية وجمعيات النفع العام والجماعات السياسية لا تعني «ديموقراطية».

Ad

أخطر نتائج ما يجري على ساحتنا السياسية المحلية، هو أن الكثير من الناس صاروا يظنون أن هذا الاضطراب والفساد العظيم الذي يعصف بنا، هو بسبب ما لدينا من «الديموقراطية» مقارنة بغيرنا، حتى وصلت الحال بالبعض، ومنهم من هو مثقف وليس بجاهل، إلى الدعوة إلى الحل غير الدستوري للبرلمان وإيقاف عجلة «الديموقراطية» لبرهة من الزمن، إلى أن يتم إصلاح أحوالنا المتأزمة!

وبسبب هذا، صرنا نحن المنادين بتطوير الممارسة السياسية إلى إشهار الأحزاب، وإجراء الانتخابات وفقا لتنافس الأحزاب لا الأفراد، وتشكيل الحكومة شعبيا بالكامل والتداول السلمي للسلطة، أقول صرنا نواجه مشكلة في تسويق هذه الأفكار بسبب فقدان الناس لثقتهم بالديموقراطية أصلا، وبما يمكن أن تقودنا إليه الأحزاب إن هي جاءت، والحق معهم فالحال هي ما يشاهدون ويقرأون يومياً من رزايا وخطايا الجماعات السياسية ونواب البرلمان على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم.

لكن الحقيقة أن ما لدينا في الكويت لا يمكن لنا أن نسميه «ديموقراطية». ما لدينا هو بعض من مكونات الديموقراطية غير المترابطة والمعلقة هكذا في الهواء، دون نسيج يشدها إلى بعضها بعضا، ومثلما أن القمح والرحى والماء والخميرة والتنور ليست خبزا، فإن الانتخابات والأدوات البرلمانية والقنوات الإعلامية وجمعيات النفع العام والجماعات السياسية لا تعني «ديموقراطية».

بل إن استخدام هذه المكونات المعلقة في الهواء دون وجود نسيج الديموقراطية الحقيقي، المتمثل في الوعي والإدراك الكامل لمعانيها وفي الإرادة الصادقة للتقدم نحو التنمية الحقيقية، هو أخطر بكثير من الحرمان منها تماما، والعيش في ظل حكم سلطوي مطلق. ذلك لأن هذه المكونات إن هي وجدت بلا ديموقراطية حقيقية ستغدو سلاحا بيد قوى الفساد والعبث، سواء من الجماعات السياسية أو الأفراد النافذين أو حتى من السلطة نفسها، في حين أن الحكم السلطوي المطلق قد يحتمل فيه أن يكون حكماً لملك عادل.

تاريخ الأمم في القديم والحديث كله يشهد بأنه لم يكتب لدولة الاستقرار والتقدم والنجاح إلا بطريقين، طريق الديموقراطية الكاملة المتكاملة، أو طريق الحكم المطلق لملك عادل، والأخير أمر شديد الندرة وأمده محدود لأنه مرتهن بعمر هذا الملك!

منذ أيام كنت وأحد الزملاء نتحدث، وبجانبنا زميل أميركي، فسمعنا ونحن نردد كلمة «مسخرة» خلال حديثنا عن جلسة البرلمان التي امتلأت بالشتائم، فسألنا عن معناها، ولعجزنا عن إيجاد مرادف إنكليزي مباشر، أخذنا نشرح له المعنى باستخدام كلمات مثل الفوضى والسخرية والفساد والعبث وغيرها، وإذا به يقول: تقصدون، سيرك سياسي!

نعم تماما... إن ما لدينا ليس ديموقراطية، ولا يمت لها بصلة إلا بالاسم... إن ما لدينا هو باختصار: سيرك سياسي!