Ad

يُعرّف القانون 24 لسنة 1962 جمعيات النفع العام والاندية، بأنها تلك الجهات الأهلية المستمرة لمدة معينة او غير معينة، وتتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين بغرض غير الحصول على ربح مادي، وتستهدف القيام بنشاط اجتماعي أو ثقافي أو ديني أو رياضي.

تسيطر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على أكثر من 73 جمعية نفع عام مُشهرة بحسب القانون المذكور تضم أكثر من 40 ألف متطوع ، (وتوجد 17 اخرى على قائمة الانتظار )، وهنا يبرز الخلاف المفاهيمي بين طرف يخلع صفة المجتمع المدني عن الصيغة المعمول بها في دولة الكويت، حيث ان الوزارة تتدخل في الاشهار والتمويل، وحتى حل مجلس الادارة وفرض شروط للعمل، بعضها غير قابل للقياس كمنع «التدخل في السياسة»!... حيث يرى اصحاب هذا الرأي ان المجتمع المدني يجب ان يكون مديرا لمؤسساته وممولا لها من دون تدخل طرف حكومي أو رسمي إلا عند انشاء وقيام الجمعية، ليكون من قبيل الاخطار فقط. والجدير ذكره أن الوزاره تنفق ما يقارب المليون ونصف المليون دينار لتمويل بعض الجمعيات، كما أكد ذلك مصدر مسؤول في الوزارة لـ «الجريدة».

فيما يرى اصحاب الرأي الآخر ان الصيغة الحالية وبرغم الاشتراطات الحكومية عليها، إلا انها تعد مؤسسات مجتمع مدني على اعتبار أنها تمثل الافراد في المجتمع، وأن الدخول في هذه الجمعيات والاندية طوعي، وأن الدخول في العمل التطوعي يتم بفعل آلية الانتخابات من أجل التنافس بين الشرائح المختلفة. وبين هذا الرأي وذاك تبقى المفاهيم الاساسية التي يقوم عليها المجتمع المدني، الذي هو جسر بين الافراد والمؤسسات الرسمية الحكومية، متمركزة حول أفكار محددة منها الرغبة في التطوع، والظهور في شكل منظمة أو جمعية أو رابطة، وعدم الرغبة في الوصول الى السلطة، وأخيرا وليس آخرا، قبول افكار الاختلاف بين الناس في كل شيء، بما في ذلك الهوايات والأمزجة والاهتمامات.

في الكويت اليوم قانون يتكون من 36 مادة تنظم أعمال (المجتمع المدني)، ومنذ صدور هذا القانون تم ايقاف جمعيتين عن العمل هما جمعية النهضة الأسرية، ونادي الاستقلال.

وفي العام 1985 صدر قرار مجلس الوزراء رقم (10) في جلسته 26/ 85 بتاريخ 12/7/1985 منعت بموجبه اشهار أي جمعية أهلية إلا باستثناء، ودام هذا القرار حتى العام 2002 حيث أوقف مجلس الوزراء العمل بالقرار المذكور، وتداعت بعده العشرات من الطلبات للترخيص لجمعيات عدة للعمل.

وقد استثنى مجلس الوزراء أثناء فترة الحظر تلك التراخيص الخاصة بالجمعيات التالية:

الجمعية الكويتية التطوعية النسائية لخدمة المجتمع، الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية، الجمعية الكويتية للدراسات والبحوث التخصصية، جمعية أهالي المرتهنين والمحتجزين الكويتيين، جمعية العون المباشر، والاتحاد الكويتي للمسارح.

وكان لدى الوزارة حتى العام 2000، (76) طلب اشهار، وكان تبرير وقف التصاريح بالعمل في الفترة من 1985 وحتى 2000 ، هو أن أغلب الطلبات المقدمة تتلاقى في نشاطها مع جمعيات قائمة أصلا، وبعضها مكرر في نوعية النشاط أو الخدمة.

وتتكرر الانتقادات الشعـــــبية لـقـــانون الاندية وجمعيات النفع العام ويمكن ايجاز هذه الانتقادات حول المواد التالية:

أولا: المادة (6) المتعلقة بالمحظورات الخاصة بأنشطة الجمعية، حيث تنص احدى فقراتها على حظر (التدخل في السياسة، او المنازعات الدينية، أو اثارة العصبيات والطائفية والعنصرية). وقد كتب حول هذه الفقرة الكثير، ومنها ان مفهوم التدخل في السياسة يعد مفهوما واسعا ومطاطا، وان سلاح الوزير في حل أي جمعية يبدو سهل الاستخدام في ظل وجود هذه المصطلحات.

ثانيا: المادة (9) والمتعلقة بحق وزير الشؤون الاجتماعية والعمل رفض تسجيل الجمعية خلال موعد لا يتجاوز 90 يوما، وفي حال عدم الرد خلال هذه الفترة يعتبر ذلك رفضا أيضا. وفي هذه الحالة لا يجوز لمقدمي الطلب التظلم أمام القضاء، إذ عليهم التظلم أمام مجلس الوزراء خلال 30 يوما من تاريخ الاخطار بالرفض.

ثالثاً: المادة (27) المتعلقة بحق وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حل مجلس إدارة الجمعية وتعيين ادارة مؤقتة في حال مخالفة القانون أو النظام الأساسي للجمعية، أو اذا أصبح عدد اعضاء مجلس الادارة غير كافٍ لانعقاده صحيحاً (10 أعضاء) أو - وهو المحظور الأخير - إذا ما اقتضت ذلك مصلحة الأعضاء أو الأهداف الاجتماعية للمجتمع!... ووجه الانتقاد على هذه المادة هو عدم وضوح تلك الشروط بشكل محدد، إضافة إلى وضع الحق في يد الوزير دون معقب، حيث ان التظلم يأتي بعد الحل الى مجلس الوزراء ، فتصبح الوزارة هي الخصم والحكم!

تلك هي أبرز الانتقادات الموجهة للقانون الحالي، ويأتي الجهد البرلماني اليوم لتحسينه وتطويره نحو مزيد من حرية النشاط المدني، حيث تقدم عدد من النواب (أحمد باقر، د. علي العمير، عبدالله الرومي، جابر المحيلبي، خالد العدوة) باقتراح بقانون لتعديل المادة 27 وتنص على نقل حق الوزير في حل الجمعية إلى (الطلب من المحكمة بحل مجلس الادارة وتشكيل مجلس ادارة مؤقت أو تعيين مدير لمدة محدودة قابلة للتجديد يتولى الاختصاصات المخولة لمجلس الادارة). وينتظر العاملون في الجمعيات الاهلية البت في هذا التعديل بالسرعة الممكنة لانه يجعل القضاء بدلاً من مجلس الوزراء حكماً في أي خلاف بين الجمعيات والوزارة.

وعلى عكس الوضع السابق - فترة حظر اشهار الجمعيات - فقد أدى إبطال مفعول قرار مجلس الوزراء السابق ذكره إلى تنوع في الجمعيات وبما تفرضه تطورات عالمية كالاهتمام بالعولمة وحقوق الانسان وتكنولوجيا المعلومات، والبيئة وغيرها من عناوين العصر الحالي.

وبينما كانت الجمعيات سابقاً تمثل في جزء منها واجهات الكتل السياسية كحركة الاخوان المسلمين والحركة السلفية واذرعتها من جمعيات خيريه تقوم على جمع التبرعات، إلا ان الوضع اليوم أصبح أكثر انفراجاً وخاصة بالنسبة للتيارات الاخرى، حيث أشهرت العديد من الجمعيات التي تمثل أفكارهم واهتماماتهم في المجتمع.

لكن يبقى أن عمل ونشاط الجمعيات الأهلية في الكويت يعاني من بعض السلبيات، ومنها الإحباط الذي تعيشه قطاعات كبيرة من الناس جراء فقدان الثقة في العمل التطوعي، وما تولد عنه من شعور بأن العمل التطوعي فقد أهميته رغم بعض الأمثلة المناقضة لذلك، كما هي الحال في الجمعيات المهتمة بذوى الاحتياجات الخاصه.

سبب آخر يضاف الى السلبيات، وهو سيطرة الجمعيات الدينية على الشارع الكويتي، وتوافر الامكانات الهائلة لديها بسبب آلية جمع التبرعات المالية التي تستطيع من خلالها اعادة تقديم خدمات متعددة الى شرائح مختلفة من الناس، كما ان قدرتها على توظيف الكوادر الشبابية في انشطتها المختلفة كبيرة جداً استنادا الى الأموال الكبيرة التي يتم جمعها من الناس، خاصة في المناسبات الدينية.

يضاف الى ما سبق سبب ثالث وهو بقاء معظم الجمعيات على وضعها القانوني الذي تأسست بموجبه من دون أي حراك نحو التحول الى نقابات مطلبية تحمي مصالح أهداف اعضائها، ويُذكر في هذا المجال جمعيتا المحامين والصحافيين.

ورابعاً، فانه يثار دوماً الحديث عن تمسك كثير من اعضاء مجالس الادارات أو رؤساء الجمعيات بمناصبهم لسنوات طويلة من دون اتاحة الفرصة الكافية للدماء الجديدة لخوض غمار العمل التطوعي.

اما السلبية الخامسة، فهي المتعلقة بمسألة التمويل، وفي هذا الملف هناك نقطتان رئيسيتان، الأولى الشفافية في التعامل المالي بمعنى اطلاع الجمهور على مالية الجمعية بشكل دوري عبر التقارير المكتوبة أو الموقع الالكتروني للجمعية، وبيان مصادر الصرف على الانشطة وكذلك مصادر تلقي الأموال.

و النقطة الأخرى في شأن التمويل، فتخص مسألة تلقي الدعم الخارجي الذي دائماً ما يكون موضوعاً لـ (التخوين)، خاصة اذا كانت مصادر الاموال تأتي من الدول الغربية، وذلك بسبب ربط سياسات تلك الدول مع قضايا المنطقة المصيرية. وهذا كلام يمكن دحضه والرد عليه، لان تمويل أي مشروع يعتمد على طبيعته وموضوعه ومدى خدمته لقضية مهمة في المجتمع، وبالتالي فإن فك ارتباط مسألة التمويل الخارجي بمواقف وسياسات الدول الكبرى بالقضايا السياسية، أمر مطلوب.