صديقي الذي رحل
لا تكفي مقالة واحدة لتعدّد مناقب ومواهب أحمد الربعي. فهو كان مجموعة رجال صُهروا في رجل، وكمية من المهارات تركزت في شخص. وإنني إذ أحزن على فقده، فإن عزائي أنني شريك في حزن عام.أبو قتيبة الذي فقدته الكويت، كانت له صولات وجولات وشركاء عديدون في كل مناحي اهتماماته، حبّذا لو روى كلٌ أبرز ما كان له معه، لأن الإجماع على فرادته وذكائه المشتعل قناعة عامة وحقيقة لا يختلف عليها اثنان.
سأكتفي بحادثتين تحضراني، وأنا أسترجع سريعاً شريط الذكريات مع المثقف والسياسي والصحافي والمناضل والأستاذ.الأولى يوم تعليق الدستور في 1986/7/3، ففي تلك الليلة المشؤومة دخل عليّ أحمد وكنت رئيساً لتحرير «القبس»، وكان كاتباً في «الوطن»، فتداولنا ونسّقنا كيف نواجه الرقيب... ليلتها بقي معي نحو ثلاث ساعات، رفضنا خلالها تدخل الرقيب في الجريدة، الى درجة أن أقفلنا عليه بالمفتاح باب الغرفة التي دخلها.الحادثة الثانية حصلت يوم 1990/12/4 في الأردن. كان الربعي وأنا في عداد وفد شعبي مؤلف من أحمد السقاف رئيساً، ومن محمد مساعد الصالح وسعود العصيمي وعبدالباقي النوري ومبارك الدويلة أعضاء أيضاً، قابلنا الملك حسين وأبدينا استياءنا من عدم اتاحة الفرصة لنا للتحاور مع الشعب الأردني، فجاء الرد عبر تنظيم ندوة جماهيرية كبيرة في المركز الملكي في عمان، للتحاور مع النقابات والصحافة، فقرر وفدنا ان يتكلم الربعي وأنا باسمه. وما إن بدأت الندوة حتى خاطبنا أول المتكلمين بالآتي: أهلا بالإخوة العراقيين أبناء المحافظة 19، أبناء كاظمة. فأشار علي الربعي بألا نرد على هذا الكلام لأنه لا يستحق الرد. فأجبت: «لا يجوز الصمت، فأنت من أفضل الخطباء، وأنا مستعد للمجابهة»... وهكذا بعد أن كان الجو معبأً ضد الكويت، والمخابرات العراقية تملأ المكان، وبعد نقاش حاد استمر أربع ساعات، قلبنا الطاولة رأسا على عقب... والحق يقال، كان أحمد الربعي ساحرا... ساحرا... ساحرا.عملت مع الربعي مباشرة من موقعين: أولهما حين كنت رئيس تحرير «القبس»، إذ كان أول من ترك «الوطن» بعد تغيير ملكيتها ليصير كاتبا في «القبس»، وثانيهما في لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية، التي كانت برئاستي أيضا حين كان عضوا فيها.وأستطيع القول إنه في الموقعين كان غزير الانتاج حاضر البديهة محاورا من طراز يندر ان يجاريه فيه أحد.متألم لغيابك يا أحمد. ورغم أنك حضّرت نفسك وحضّرت الآخرين خلال فترة مرضك العضال ليوم القدر الذي لا رادّ له، فإنني فوجئت، وكنت أمس كمن يودع عزيزاً سقط في حادث أو اخذته المنيّة على حين غرّة.أنت «فقيده» يا أبو قتيبة.