اعتزال خاتمي و الطفولية اليسارية!
إن «سكوت» رفسنجاني اليوم وإن يكن مؤقتا، و«اعتزال» خاتمي اليوم، وإن يبدو ليس «جوابا نهائيا»، واعتذار كروبي وإن يكن من باب الاتخاذ بموجة الصعود «الأصولية»! إلا أن ما تكشفه هذه المواقف هو ذلك الشعور المتنامي لدى الجمهور بأن المرحلة الدولية والإقليمية الراهنة، لم يكن يصلح لها إلا رجل من جنس أحمدي نجاد.
استنكاف رفسنجاني عن التعليق أو الخوض في السجالات، وإعلان خاتمي تقاعده ومن ثم «اعتزاله» العمل السياسي، واضطرار كروبي للاعتذار عن افتتاحية مهينة للجمهور نشرتها الصحيفة الناطقة باسم حزبه، هي النتائج الأهم برأيي من كل الأرقام التي أفرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة!والثلاثة المذكورة أسماؤهم أعلاه هم من أعلام الطبقة السياسية المحسوبين بشكل متفاوت على ما اصطلح على تسميته بجبهة أو معسكر أو جناح الإصلاحات مقابل ما اصطلح على تسميته بمعسكر أو تجمع المحافظين، وإن كان المصطلحان الآنفا الذكر لم يعودا يعبران عن حقيقة الاصطفافات في النسيج السياسي الإيراني الراهن!لكن ما هو أهم كما قلنا هو سكوت «الشيخ الرئيس» المريب، و«التقاعد» اللماح لمن ارتبط اسمه بالاصلاحات، و«الاعتذار» الجسور لمن بات يطلق عليه أنصاره بشيخ الإصلاحيين، وما يكتنف مواقف هؤلاء الثلاثة من أوضاع محرجة يمرون بها!أعرف أن رفسنجاني لم يكن راضيا بل كان منزعجا من سياسات أو تصريحات الرئيس الراهن الصدامية مع الخارج والطاردة في الداخل لـ«كوادر البناء» من المحسوبين عليه ولايزال، كما أعرف أن الرئيس السابق محمد خاتمي كان ولايزال متبرما من سياسات وتصريحات أحمدي نجاد المشوشة على مقولات نزع التوتر في العلاقات الخارجية ومقولته الشهيرة حول حوار الحضارات، وأن مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق الذي ورث لقب «شيخ الإصلاحيين» بعد تأسيسه حزب «الثقة الوطنية» على خلفية لملمة صفوف وأنصار الإصلاح المخلصين الذين مزقت هويتهم سياسات حزب «جبهة المشاركة» المتطرفة، عاد إليه الإحباط من جديد نتيجة الانتخابات البرلمانية بعد ما ظن أنه تجاوز مرارة تداعيات خروجه «التعسفي» من سباق الرئاسة مع «الشيخ الرئيس» والرئيس الجديد الذي أثبت بدوره أنه قادر على أن يبز الطبقة السياسية التقليدية مجتمعة يومها بشعاره الشهير من «جنس الناس وإلى الناس»! لكن «سكوت» رفسنجاني اليوم وإن يكن مؤقتا، و«اعتزال» خاتمي اليوم، وإن يبدو ليس «جوابا نهائيا»- كما يقول أخونا جورج قرداحي - واعتذار كروبي وإن يكن من باب الاتخاذ بموجة الصعود «الأصولية»! إلا أن ما تكشفه هذه المواقف في خلفياتها هو ذلك الشعور المتنامي لدى جمهور واسع من الناس من أطياف مختلفة بأن المرحلة الدولية والإقليمية الراهنة بملفاتها الساخنة جدا، لم يكن يصلح لها إلا رجل من جنس أحمدي نجاد اتفقت معه أو اختلفت، وذلك لصرامته وحزمه و«جسوريته» مع انتظامه وامتثاله، في وقت أكثر ما تكون فيه إيران بحاجة إلى مثل هذه الكوادر!في هذه الأثناء فإن ما اصطلح على تسميتهم بـ«المحافظين» يجددون دماءهم اليوم بأطياف من «الإصلاحيين» يبزون في طروحهم أعتى كوادر الإصلاح من دون أن يفرطوا بمبادئهم العامة أو إطارهم التنظيمي الذي يجمعهم مع رفاقهم المحافظين القدامى في بيت أصولي واحد!هذا فيما ينشطر «الإصلاحيون» مع كل يوم يمر إلى أجنحة متصارعة بصورة ممجوجة إلى درجة محاولة بعضهم الخروج مما يسميه من «جلباب» جده كما أعلنت صراحة حفيدة الإمام الخميني وزوجة شقيق خاتمي، في ما يخرج شقيقه هذا «شيخ الإصلاح» الجديد من دائرة الإصلاح بالمرة، وذلك بتصريح استئثاري واستئصالي مثير! بينما فاجأتنا الكادرة المتقدمة في جبهة المشاركة السيدة فاطمة راكعي بالخروج النهائي من الحزب واعتزالها العمل السياسي رسميا احتجاجا على ما سمته بـ«لعبة الشطرنج» التي تلعبها القيادة بعيدا عن أعين واعتبارات وكرامات الكوادر المخلصة!هذا غيض من فيض، من «كرامات» بعض مَنْ أحاطوا بالرئيس السابق، ممن بات يطلق عليهم بـ«المتدثرين بعباءته» من «اليساريين» الطفوليين الذين ظلوا يتعاملون معه طوال دورتي رئاسته وكأنه «وزير محاط بأكثر من عشرين رئيسا»، كما يصف حواريوه تلك المرحلة، والذين صبر عليهم خاتمي لنجابته وحيائه وحبه لدينه ووطنه وعدم رغبته في فرط عقد الصداقة أو التأدب مع الآخر مهما أساء إليه، إلى أن أوصلوه إلى ما هو عليه اليوم!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني