Ad

دعوة إلى الحكومة وإلى المجلس إن كانا جادين فعلاً في بناء البلد على أسس دستورية حقة أن يبادرا بخطوات عملية وخطة عمل لحماية الدستور وتحصين البلاد مستقبلاً من الانحراف، وذلك من خلال إلغاء القوانين المتناقضة مع الدستور أولاً؛ وتعديل قانون المحكمة الدستورية ثانياً؛ وإلا فإن حديثهم عن الالتزام بالدستور والتمسك به والدفاع عنه لا يعدو كونه سراباً بقيعة، وليست وعودهم ومواعيدهم إلا كمواعيد عرقوب.

على افتراض أن هناك جدية لدى الحكومة في التعامل مع الملفات السياسية الساخنة... وعلى افتراض أن مجلس الأمة يشاطرها هذا التوجه، فليس لدينا إلا الانتظار و«المية تكدب الغطاس»، كما يقول المثل المصري.

إلا أننا ونحن في حالة انتظار الولادة تلك، فإنه من المطلوب إنهاء حالة «الميوعة السياسية» التي ظلت البلاد تعانيها سنوات طوالا، ولا يبدو أمامنا من سبيل أو رافعة لانتشال البلاد والعباد من تلك الحالة إلا بتفعيل الدستور جملة وتفصيلاً.

وهكذا أصبح لزاماً علينا جميعاً، على الأخص حكومة ومجلس أمة، الإعلان أن التمسك والالتزام بالدستور لا ارتداد عنه، وأن الدستور باق بلا شوائب أو تشكيك أو تفكيك.

أما الخطوة التي نختبر بها هذا الالتزام فتأتي من خلال خطوتين؛ الخطوة الأولى هي إحالة كل القوانين بغض النظر عن موقفنا منها إلى المحكمة الدستورية لتحدد أي منها متوافق مع الدستور فيستمر العمل به، وأي منها مخالف للدستور فيسقط ويتم استبداله بقانون متوافق مع الدستور.

لقد كان إلغاء قانون التجمعات عام 2006 من قبل المحكمة الدستورية ومن خلال قضية رفعتها الحكومة ضد مواطنَين بحجة مخالفتهما للقانون، فكان أن دفع المواطنان بعدم دستورية قانون التجمعات وانتهت المحكمة الدستورية في حكمها التاريخي إلى إلغاء قانون التجمعات.

ولعل الأمر المحزن في كل هذا أن من قام بإلغاء قانون التجمعات السيئ الذكر هما مواطنان يسجل لهما التاريخ تلك الخطوة. فإن لم يكن قد حدث ذلك، أي ان لم تكن الحكومة قد حركت دعوى قضائية ضدهما على طريقة «المردم» إياه، لكنا حتى هذه اللحظة نعيش في كنف قانون غير دستوري.

والمؤسف أن الحكومة الرشيدة كانت راضية حينها بذلك القانون غير الدستوري وكذلك النواب حتى منهم أولئك المدافعون عن الدستور لم يتحركوا لإلغاء أي من حزمة تلك القوانين غير الدستورية.

فكم هناك من قوانين مازالت قائمة وهي غير دستورية حكماً، أو انها تحمل شبهة غير الدستورية؟ وإلى متى ستظل البلاد تُحكم من قبل قوانين غير دستورية؟ وهل ننتظر مصادفات تاريخية حتى يتحقق ذلك الإلغاء.

أما الخطوة الثانية، وهي ضرورية أيضا، فإنها تتمثل في إيجاد صيغة ما يتم فيها التأكد من دستورية أي قانون قادم، وهو أمر قد يتطلب تعديلاً تشريعياً في قانون المحكمة الدستورية بحيث يعرض أي قانون جديد يحمل في طياته شبهة عدم الدستورية على المحكمة الدستورية قبيل إصداره، وبالتالي يتم تحصين القانون الجديد من احتمالات عدم الدستورية. وهي على أية حال خطوة تتطلب نقاشاً معمقاً لكي يتم التأكد من أن كل القوانين الصادرة هي دستورية بالتأكيد ويتم إطفاء بعض الشهوات السياسية التي لا تأخذ في حسبانها الدستور.

والخطوة الثالثة في خطة العمل الدستورية هذه تتمثل في تعديل تشريعي لقانون المحكمة الدستورية يتيح للمواطنين العاديين اللجوء إلى المحكمة الدستورية مباشرة من دون وسطاء كمجلس الأمة أو الحكومة أو القضاء، كما هو الوضع الحالي.

لقد مضى على صدور الدستور أكثر من 45 عاماً، ونحن اليوم نحتفل بعيد ميلاده مجدداً، ومع ذلك فقد جرى التلاعب به وخرقه ليل نهار، ولم تلتزم فيه الحكومة الحكم مرات ومرات، كما لم يقم مجلس الأمة بواجبه الفعلي في الدفاع عنه وحمايته والشواهد على ذلك كثيرة. وفي الوقت ذاته نسمع من أولئك التزامهم العميق بالدستور وتمسكهم به.

وهكذا، فهي دعوة إلى الحكومة وإلى المجلس إن كانا جادين فعلاً في بناء البلد على أسس دستورية حقة أن يبادرا بخطوات عملية وخطة عمل لحماية الدستور وتحصين البلاد مستقبلاً من الانحراف، وذلك من خلال إلغاء القوانين المتناقضة مع الدستور أولاً؛ وتعديل قانون المحكمة الدستورية ثانياً؛ وإلا فإن حديثهم عن الالتزام بالدستور والتمسك به والدفاع عنه لا يعدو كونه سرابا بقيعة وليست وعودهم ومواعيدهم إلا كمواعيد عرقوب. وهي إعلان رسمي بأن «الميوعة السياسية» وجدت لتبقى، وأن ذلك الشامخ المسمى دستوراً ليس إلا ورقة توت نستر بها شيئاً من عوراتنا.