أيوب حسين والتراث الكويتي!
غريبة تلك العلاقة المتولدة بين العمل الفني والمتلقي، وربما كان مصدر غرابتها، هو قدرتها العجيبة على الغوص إلى أعماق النفس البشرية، ومسّ أهواء ونزعات وميول ومحبات، قد تكون غائبة عن المتلقي نفسه. هذا وحده يفسر عالمية الفن؛ لأنه يتوجّه في أجمل تجلياته إلى مخاطبة الإنسان، دون تحديد لجنسه أو هويته أو معتقده أو مكانه. مما يفسر انجذابنا إلى أعمال فنية ولوحات تشكيلية بعينها، تأسرنا في دائرة سحرها، فنتعلق بها كأنها أُنجزت من أجلنا، على الرغم من أنها خرجت من بين أيادي فنانين من بيئات مختلفة بعيدة عن بيئتنا المحلية.
أيوب حسين الأيوب فنان تشكيلي كويتي فطري، ولد عام 1932، انجذب إلى بيئته المحلية، واستعان بالفن واللوحة التشكيلية للتعبير عن عشقه لهذا البيئة، وترجمة صورها المطبوعة في مخيلته. وإذا كان أيوب حسين قد نال جوائز كثيرة، على رأسها جائزة الدولة التقديرية، التي مُنحت له من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 2001، بوصفها أعلى جائزة أدبية وفنية تمنحها دولة الكويت لأبنائها المبدعين، ونال قبلها جائزة الدولة التشجيعية عام 1997، إلى جانب جوائز أخرى عديدة، فإنني أرى أن جائزة أيوب حسين الحقيقية، تكمن في تعلق جمهور اللوحة الكويتية، وحرصهم وتهافتهم على اقتناء أعماله، مما يشكل ظاهرة فنية خاصة، لا يشاركه فيها أي فنان آخر في الكويت. أيوب حسين، اختط لنفسه خطاً واضحاً منذ بدء خطواته الفنية الأولى بمشاركته في «مسابقة البطولة العربية عام 1958»، إذ عمد إلى رسم مشاهد من حياة المجتمع الكويتي قبل النفطي. وهو بذلك عمل على حفظ تراث مجتمع بأكمله، لاسيما أنه امتلك ذاكرة تصويرية متوقدة وحاضرة على الدوام، مكنته من التقاط أدق التفاصيل لصور ومشاهد كثير من الأماكن والأحياء والممارسات الاجتماعية، وبما يخلق من أعماله مرجعاً تراثياً كويتياً لا يمكن الاستغناء عنه. وربما كان ذلك سبباً دفع «مركز البحوث والدراسات الكويتية»، إلى إصدار كتاب بعنوان «التراث الكويتي في لوحات أيوب حسين الأيوب» احتوى على أكثر من 600 صفحة. تضم جميع أعمال الفنان منذ بداياته في الخمسينات وحتى يناير 2002. للأسف لم تعمل جهة رسمية كانت أو أهلية، على دراسة التراث الكويتي وحفظه، بمختلف تجلياته، بشكل منهجي يمكن الرجوع إليه، والوقوف على أهم مفاصل الحياة فيه، مما جعل كثيراً من أهل الكويت، يرون في أعمال أيوب حسين الفنية، عملية تأريخ لتراث اندثر دون أن تنهض جهة لإحيائه. لقد تحولت المعارض الفنية التي يقيمها الفنان أيوب حسين في السنوات الأخيرة، إلى تظاهرات فنية شعبية تراثية، إذ تقاطر الجمهور إلى قاعة العرض، بشكل يومي. وكأنه في حضوره للمعرض. ينشد رحلةً أو يمد جسراً إلى كويت الماضي، كويت ما قبل النفط. قرابة أربعة أجيال من أبناء الكويت، لا تعرف عن حياة الماضي ومظاهره وصوره إلا ما يُروى لها على ألسنة الآباء والأجداد، دون أن يبقى من هذا الماضي أي شاهد يدل عليه، وهذا وضع مؤسف لابدَّ من تداركه. إن التقدير الذي يقدمه أي مجتمع من المجتمعات لمبدعيه وفنانيه، يرتكز أساساً على الدور المتفرد والمهم والفاعل الذي ينهض به الفنان في خدمة وطنه. بوصفه لسان حال مجتمعه، وموهبة تكتب وتوثق تاريخاً ما كان له أن يأخذ حضوره الباقي، بشكله الفني، لولا اهتمام والتفات الفنان إليه.