مخطوفو ومفاوضو الجابرية يستذكرون الحادثة بعد مقتل مُدبرها عماد مغنية: الكويت لا تظلم أحداً... وعدالة السماء تُمهل ولا تُهمل أكدوا أن مقتله لن يعيد الشهداء... لكنه يعزز الإيمان بعودة الحقوق إلى أصحابها
عشرون عاماً مضت على حادثة اختطاف الطائرة «الجابرية»، لم ينس خلالها الكويتيون معاناتهم وشهداءهم، وها هو القصاص العادل يأتي اليوم ليعزز مفهوماً راسخاً في الأذهان، بأن الكويت مُحصّنة من أعدائها بعدالة السماء، وأن الحقوق تعود إلى أصحابها مهما طال الزمان.
ما أشبه اليوم بالبارحة حالاً وما أبعده عنها عدالةً، عشرون عاماً مضت... تنام عيون الناس لكن عيون العدالة لا تنام... جاء القصاص متأخراً، لكنه جاء عادلا ومرسّخا لحقيقة ان السماء عادلة، وان الحقوق تعود إلى اصحابها مهما طال الزمان أو قصر، بهذه العبارات قرّت عيون الكويتيين امس بعد سماعهم خبر مقتل قائد فرق خطف الأبرياء ومروع الآمنين الارهابي عماد مغنية، وهم يتذكرون ما مرت به الكويت إبّان فترة اختطافه طائرة الجابرية وقتل اثنين من ابنائها المخلصين بقلب بارد تجرد من الانسانية.هكذا هي الحال دائما لا تعلو على هامة الحق هامة «واللهم لا شماتة»، بهذه الكلمات استقبل مختطفو «الجابرية» خبر مقتل الارهابي عماد مغنية، وبمشاعر متناقضة تراوحت بين الفرح بالقصاص العادل والحزن على استشهاد اثنين من ابناء الكويت هما: عبدالله الخالدي وخالد أيوب.الشيخ فاضل الصباح الذي كان أحد ركاب «الجابرية» استقبل الخبر بهدوء، لكنه اكد أن الكويتيين لا يشمتون، بل يشكرون الله على انتقامه العادل.وأضاف ان الكويتيين لم يكونوا يوما منتقمين، ولم يكونوا ظالمين، لهذه الاسباب دائما كانت لديهم القناعة الراسخة بأن حقهم سيعود إليهم مهما طالت الايام.وقال الشيخ فاضل ان مقتل مغنية لن يعيد لنا شهداء الكويت الذين فقدناهم، كما ان اعدام صدام لن يعيد شهداءنا، لكنه يعزز ثقتنا وقناعاتنا بأن «الحق يعلو ولا يُعلى عليه».وقال هذا درس للجميع، بأن الحق لا يضيع، ولو بعد حين، فعدالة السماء قائمة إلى الابد.واستذكر مجموعة من صور عملية خطف «الجابرية» قائلا: أتذكره جيدا، كان مربوعا متوسط الطول يبدو عليه الاحتراف، قام بخطف الطائرة ثم استبدل فيما بعد بآخرين أكملوا عنه المهمة.وختم الشيخ فاضل حديثه «لن أقول سوى اللهم لا شماتة، يمهل... ولا يهمل».العقاب الالهي من جانبه، تلقى فهمي عوض دوخي وكان احد ركاب «الجابرية» المختطفة على يد مغنية، الخبر بضحكة طويلة من القلب، مستدركا «الحين ينقتل... هذي فترة طويلة جدا، كان يجب أن يُقتل من زمان».وأضاف «يستاهل هذا العقاب الالهي الرادع، لأن من يتعرض للكويت تكون هذه نهايته، فهي لا تعتدي على احد ومسالمة كما أنها لا يضيع لها حق». وقال «احنا كافيين خيرنا شرنا وربك ما يهمل المظلومين». وتابع ان ما تعرضنا له في تلك الفترة كان يمثل المعاناة بصورتها الحقيقية، فقد تم اختطاف طائرتنا من قبل مغنية، ولم اشك فيه للحظة، فقد خرج من بوابة المطار امامي شخصا طبيعيا، ولكن بعد صعودنا الطائرة بساعة تقريبا بدأت تحركات غريبة من قبله، إذ تحرش بإحدى الراكبات وكان يهدف الى معرفة رجال الأمن، وهنا «فزع» الشهيد الخالدي، رحمه الله، للراكبة وعرف مغنية انه رجل أمن، فوضعوه تحت الرقابة وعندها طبّقوا خطتهم واختطفوا «الجابرية».وذكر دوخي بعد وصولنا إلى الجزائر عرف ان سبب خطف الشهيد الخالدي، رحمه الله، كان لاستخدامه في المفاوضات، إذ إنه كان غاضبا منهم، فقاموا بكسر فكه وقتله بسبع رصاصات في الرأس، مستدركا لم اعرف خبر استشهاده الا بعد نزولي في مطار هناك.وتابع، كان دوري بعد الشهيد الخالدي وقاموا بإعطائي ورقا مكتوبا، وطلبوا مني قراءته من خلال اللاسلكي ونفذت مطلبهم، وكنت احس بالمسدس في رأسي فقد هددوني بالقتل ان حذفت حرفاً واحداً خلال قراءتي الرسالة، ثم اعادوني إلى مقعدي بعد ذلك. وانتهى دوخي الى ان الحكومة الكويتية كانت مهتمة بالركاب جدا، وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد، والدليل اننا عدنا إلى أهلنا.لحظات حرجة من جانبه، وصف وزير المواصلات الأسبق ورئيس الوفد الكويتي المفاوض مع خاطفي «الجابرية» عيسى المزيدي عملية الاختطاف بأنها «من أصعب الفترات التي مرت على الكويتيين بشكل عام، خصوصا أنها استمرت قرابة 16 يوما»، مؤكدا «أن عماد مغنية كان له في تلك الفترة عدة محاولات لاختطاف الطائرات التي تحمل أناساً أبرياء، ومثله كان يستحق أن ينال جزاءه وقتها، لكن وبكل أسف لم يتم القبض عليه، إذ كان وفق الروايات التي كنا نسمعها يقف وراء كثير من العمليات الارهابية»، لافتا «إلى أننا كوفد مفاوض، كانت أيامنا هناك من أحرج اللحظات التي مررنا بها طوال حياتنا، خصوصا بعد قتل أحد الركاب ورميه خارج الطائرة، إذ لم نكن نعرف من هم أو من يرأسهم». وأضاف «بما أنني كنت وزيرا للمواصلات في تلك الحقبة ومن إحدى مسؤولياتي الطيران المدني، فقد كلفتني الحكومة بترأس الوفد الكويتي والتوجه إلى قبرص للتفاوض مع الخاطفين، بعد أن أقلعت الطائرة من مشهد في ايران بعد ان مكثت يومين، وفور وصولنا إلى لارنكا بدأنا عملية التفاوض معهم عن طريق اللاسلكي وليس بشكل مباشر، حيث جلسنا ستة أيام متواصلة في المطار بصحبة عدد من المسؤولين القبرصيين»، مؤكداً «اننا كنا نسعى جاهدين إلى محاولة اقناع الخاطفين بالافراج عن الركاب الأبرياء سواء كانوا كويتيين أو غيرهم، لكنهم رفضوا ذلك إلا في حال تنفيذ مطالبهم التي لم نرضخ لها، بل وطلبنا من السلطات القبرصية عدم تزويدهم بالوقود لكوننا نجهل وجهتهم التي ينوون التوجه إليها، وللأسف فإن المفاوضات لم تتوصل إلى أي نتيجة، الأمر الذي دعا المسؤولين القبارصة إلى الرضوخ لمطالبهم، وتم تزويد الطائرة بالوقود وتوجه بها الخاطفون إلى الجزائر، وللأسف تم هناك اطلاق النار على أحد الركاب الكويتيين بصورة مأساوية للبشرية جميعا وللكويتيين بشكل خاص»، مشيرا إلى أنني رجعت إلى الكويت عقب اقلاع الطائرة إلى الجزائر وتولى مهمة التفاوض هناك وزير الدولة للشؤون الخارجية في ذلك الوقت سعود العصيمي، الذي بذل جهودا كبيرة في التباحث مع المسؤولين الجزائريين والخاطفين إلى أن تم التوصل إلى اتفاق، كانت نتيجته الافراج عن الركاب».المفاوضات من جانبه، عبّر محمد الاصقه من ادارة الطيران المدني وأحد أعضاء الوفد المفاوض في تلك المرحلة عن سعادته بهذا الخبر قائلا «أنا سعيد بسماع هذا الخبر وأنا حي، لأنه انتقام من رب العالمين، لما قام به هذا المجرم من أفعال تمثلت في قتل أبرياء لا ذنب لهم، وأعتقد أن أهالي الضحايا الذين قضوا في عملية اختطاف «الجابرية» سيفرحون كذلك بهذا الحدث لكونه قتل أبرياء من دون وجه حق وتاريخه معروف بالعمليات الاجرامية»، موضحا «ان الوفد الكويتي كان يحاول أن يقدم كل التسهيلات من أجل الافراج عن الركاب، إلا أن الخاطفين كانوا متشددين ويرفضون التفاوض حتى من حيث المبدأ، ولذلك فإن التفاوض لم يكن بشكل مرن بل مررنا بفترات عصيبة ومقلقة جدا».وأضاف «ان عملية الاختطاف مرت بعدة مراحل من خلال مرورها بعدة دول، حيث توجه الخاطفون في بداية الأمر إلى مشهد لمدة يومين، بعدها أقلعت الطائرة إلى قبرص عدة أيام، ثم توجهوا بها إلى الجزائر في آخر محطة، التي شهدت الانتهاء من هذه المرحلة الصعبة التي عاناها الشعب الكويتي بأسره»، موضحا «أن الوفد الكويتي الذي توجه إلى مشهد لم يجر أي مفاوضات، بسبب حجزه داخل أحد الفنادق ولم يذهب إلى المطار»، مشيرا «إلى أن الخطوة الثانية كانت في قبرص حيث كنت مراقبا للمراقبة الجوية في ذلك الوقت، وكلفت بأن أكون ضمن الوفد الكويتي الذي يضم يوسف العنيزي وضرار الرزوقي برئاسة الوزير السابق عيسى المزيدي، وتوجهنا إلى هناك للبدء في المفاوضات التي استمرت خمسة أيام من دون التوصل إلى أي نتيجة، علما بأن الخاطفين طلبوا من الوفد الكويتي أن تتم عملية مبادلة عدد من المحتجزين بالوفد الكويتي، وقد وافقنا على ذلك من دون تردد، لكنهم تراجعوا عن طلبهم من دون سبب معروف ورفضوا المفاوضات تماما، لأنهم أحسوا بأننا نماطل في المفاوضات ولن نلبي مطالبهم، حيث أبلغونا بأنهم سيقتلون أحد الركاب وهو ما حدث فعلا، إذ قتلوا راكبا كويتيا ورموا به من باب الطائرة وأنا مازلت أتذكر هذه الحادثة الشنيعة التي رأيتها بعيني، بعد ذلك خفّت حدة المفاوضات ووافقوا على الافراج عن 36 راكبا دفعة واحدة، وأغلقوا باب الطائرة رافضين تسليم أي راكب آخر، كما طلبوا مواد غذائية، والتزود بالوقود، والتوجه إلى الجزائر التي انتهت فيها المحنة». مغنية... والمحكمة الدوليةلا يمكن التسليم ببساطة بأن مقتل عماد مغنية الذي يوصف بأنه «رئيس الأركان في جيش حزب الله» جرى بواسطة «العدو الصهيوني» كما تردد كوادر حزب الله في لبنان، ولعل سياق الاحداث يطرح تساؤلات عدة، في مقدمها، توقيت وفاة مغنية مع اقتراب استحقاق المحكمة الدولية التي شكلها مجلس الأمن للتحقيق في ملابسات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ومن قبله المسؤول العسكري السابق في لبنان غازي كنعان، الذي أعلنت الحكومة السورية أنه «انتحر»... قبل استجوابه من رئيس اللجنة المذكورة، فهل سقطت حلقة جديدة من حلقات المحكمة الدولية؟