فتح البويب
في عصر خلافة «أبو بكر» الصديق كان هناك رجل يُدعى «المثنى بن حارثة»، عندما أسلم المثنى هو ورجاله وكانوا مقاتلين أشداء، كانت نفوسهم دوماً ما تلح عليهم لقتال الفرس الذين يبطشون بكل من هو ليس منهم، لم يلبث المثنى بعد إسلامه أن قدم على المدينة المنورة يطلب من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يستعمله على مَن أسلم من قومه ليقاتل بهم أهل فارس، ولكن «أبو بكر الصديق» أرسل خالد بن الوليد لقتال الفرس وكتب إلى المثنى يأمره بالسمع والطاعة لخالد، فأمره خالد أن يرجع إلى أهله وأقام المثنى بالحيرة إلى أن جاءته فرحة قتال الفرس، وذلك حينما أرسل إليه حاكم الفرس الجديد شهربراذ بن أردشير كتاباً جاء فيه «إني قد بعثت إليكم جنداً من وحش أهل فارس إنما هم رعاء الدجاج والخنازير»، وتقابل المثنى وهرمز ببابل فاقتتلوا قتالاً شديداً، وانهزم الفرس ومات شهربراذ.
وفي 23 من شعبان 13 هجرية وقعت معركة الجسر بين المسلمين بقيادة «أبو عبيدة الثقفي» والفرس بقيادة بهمن بن جاذويه وانهزم المسلمون في هذه المعركة هزيمة ثقيلة واستشهد فيها أبوعبيدة. وقعت أنباء الهزيمة على مسامع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كالصاعقة، حتى أنه ظل شهوراً طويلة لا يتكلم في أحوال العراق، ثم ما لبث أن أعلن النفير العام لقتال الفرس في العراق، وتقوية منه لنفوس المسلمين قرر أن يسير هو بنفسه للقتال على رأس جيش المسلمين فأشعل ذلك الحماسة في قلوب المسلمين، وبدأت الجموع المجاهدة تتوافد واكتملت قوات المسلمين فولّى بن الخطاب «المثنى» على رأس الجيش، وتوجه الجيش بقيادة المثنى إلى مكان يُسمى «البويب» (يقع حالياً قرب مدينة الكوفة بالعراق) وكان الفرات يفصل بين الجيشين، جيش المسلمين بقيادة المثنى، وجيش الفرس بقيادة «مهران الهمداني» الذي أرسل إلى المثنى بقوله «إما أن تعبروا إلينا أو نعبر إليكم» وكان جواب المثنى «أن اعبروا أنتم إلينا»، وقد أمر المثنى المسلمين بالفطر حتى يقووا على القتال، فأفطروا عن آخرهم، وجعل لكل قبيلة راية تقاتل تحتها حتى يعرف من أين يخترق الفرس الصفوف، ونظم المثنى جيشه، وأمرهم ألا يقاتلوا حتى يسمعوا تكبيرته الثالثة ولكن الفرس لم يمهلوه إلا تكبيرة واحدة حتى أشعلوا القتال، وكان قتالاً شديداً عنيفاً اختلطت فيه الدماء بالماء، فتوجه المثنى إلى الله تعالى وهو في قلب المعركة بالدعاء أن ينصر المسلمين، ثم انتخب المثنى جماعة من أبطال المسلمين وهجموا بعنف وقوة على الفرس فتخللوا الصفوف الأولى للفرس، وانقض جيش الإسلام عليهم حتى ألحقوا بالفرس هزيمة قوية في الرابع عشر من شهر رمضان للعام الرابع عشر للهجرة، وقاتل مع المثنى في هذه المعركة أنس بن هلال النمري وكان نصرانياً قاتل بنفس حمية العرب وكان صادقاً في قتاله.