نعرف جميعا أن جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت - وبصرف النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع أفكارها وأساليبها - تضم مجموعة من الضليعين في السياسة والدعوة واللغة.

Ad

لهذا، قرأت باستغراب كبير نص البيان الذي أصدرته يوم الخميس الماضي، ضد أصحاب ومؤيدي اقتراح إلغاء قانون منع الاختلاط في المدارس والجامعات، والذي جاء ركيك الأسلوب، متهافت الحجة، فظ العبارة، غليظ الاشارة، شتّاماً لعّاناً، يعيد إلى الأذهان بيانات من كفّروا القائلين بكروية الأرض والداعين إلى تعليم الإناث، ومن أثّموا «بدع وضلالات» التقدم العلمي كالأدوية والمذياع والسيارة... وإني على قناعة تامة أن لدى جمعية الاصلاح شخصيات تستطيع أن تعرض رأيها في هذا الموضوع، وتعارض من يخالفه بأسلوب راق ٍسليم، غير أنها اختارت هذه الصيغة بالذات لغرض التأثير في عاطفة ومشاعر المواطن الطيب، الذي يغفر كل خطأ إلا مخالفة الشريعة.

الأمر وما فيه، أن ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة قد استخدموا حقهم الدستوري، وتقدموا بالاسلوب الديموقراطي الصحيح، باقتراح لالغاء قانون منع الاختلاط في المدارس والجامعات. وهذا اقتراح يبقى لمجلس الأمة الموقر أن يأخذ به أو يصوت ضده. والأمر وماهيته، أن هذا الاقتراح لقي قبولا وتأييدا من شرائح شعبية كثيرة، وفي يقين مقدّمي الاقتراح ومؤيديه أن التعليم المختلط أمر جائز شرعا، قياسا على أن الرجال والنساء كانوا يصلّون في مسجد واحد في عهد الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وبدليل الاختلاط في اداء فريضة الحج بكل فروضها وشعائرها، واستنادا إلى فتاوى كثيرة آخرها فتوى مفتي الديار المصرية وعضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ علي جمعة، التي تؤكد «أن التعليم المختلط والجمع بين الذكور والاناث في مراحل التعليم المختلفة امر جائز شرعا، ما دام يأتي وفق الضوابط المشروعة في المقعد والملبس... فهذا نوع من المشاركة التعليمية التي يمكن تلافي سلبياتها من خلال التربية العائلية، ذلك ان إحسان تربية الاولاد والبنات في مدرسة الاسرة، هو السور الأول والأهم لحماية أبنائنا وبناتنا من اي انحرافات في التعليم المختلط او غيره».

فما الخطيئة التي اقترفها أصحاب الاقتراح ومؤيدوه، لتتهمهم جمعية الاصلاح الاجتماعي بالمفلسين فكرا وخلقا وقيما، المنحدرين نحو الهاوية والبعد عن الحق، الداعين إلى حرية الفساد والخمر والربا، الفاسقين، قساة القلوب؟! وأين بيان الجمعية من الخطاب الاسلامي الراقي، ومن خلق النبي الكريم في الدعوة إلى الدين الحنيف؟ أين الامتثال للآية الكريمة «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، وأين الامتثال للتوجيه القرآني السامي «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»؟!

أليس عيبا وخطيئة، وإثما كبيرا، ان تتهم جمعية الاصلاح الاجتماعي مؤيدي التعليم المشترك بالدعوة الى «مزيد من اللقطاء، والاكتفاء بالخليلة بدل الزواج، وزيادة الطلاق بسبب الشك في الزوجة المختلط بها قبل الزواج، والاجهاض بسبب الحمل السفاح، والعمل على نشر الإيدز».

الله اكبر عليكم، هل امهاتنا واخواتنا وزوجاتنا وبناتنا اللاتي درسن في جامعات مشتركة (وأولها جامعة الكويت)، موضع شك وريبة، لأنهنّ من المختلط بهن قبل الزواج؟ وماذا عن خريجات الجامعات في مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وفي سورية والعراق ولبنان والاردن، والبحرين والامارات وعمان وقطر؟ وفي ايران وباكستان وتركيا... هل كلهن موضع شك لأنهن «من المختلط بهن قبل الزواج»؟، وهل الزوجة التي لم تحظَ بالتعليم الجامعي في كل هذه الدول، أطهر وأشرف من الزوجة التي استكملت تعليمها الجامعي؟ وماذا عن نوابنا الافاضل الذين درسوا في جامعات مشتركة، هل اكتفوا بالخليلة عن الزوجة، وهل هم متهمون بالفساد والزنى والخمر والربا؟

ان قانون منع الاختلاط «الذي خُطّ بماء الذهب ليكون تاجا على رأس الاجيال القادمة من شعبنا خلقاً وديناً وعفة»، لم يكن الا حلقة من حلقات تسييس التعليم في الكويت، واختطافه بعيدا عن كل المعايير والأسس المهنية والعلمية والمستقبلية، وان الدعوة الى إلغائه ليست دعوة الى زيادة اللقطاء والخليلات والزوجات المشكوك في اخلاقهن، والحمل السفاح، ومرضى الايدز، بل هي دعوة إلى انهاء حال الاختطاف هذه، ودعوة الى بناء وتخريج شخصية متوازنة سوية، لا تحمل اضطرابات المنعزلين، ولا تجهل اسلوب التعامل مع الآخر، هي دعوة لكي يعود التعليم الى وظيفته المستقبلية وتخريج مواطني وقيادات الغد، الذين يستطيعون ان يعيشوا عصرهم ويتقدموا بوطنهم مع تقدم المعرفة والحياة.

لقد سبق لمجلس الامة وبدعم نواب جمعية الاصلاح، ان رفض اعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية، ثم عاد وأقر بماء الذهب ايضا هذه الحقوق. وقامت جمعية الاصلاح التي صوتت ضد القانون لأسباب شرعية بتجنيد كل قواها لكسب اصوات من انكرت عليهن - شرعا - حق التصويت. فلماذا تحرّم علينا ان نطلب اعادة النظر في قانون منع التعليم المشترك؟ وتكيل لأصحاب الاقتراح وكل من أيدهم اتهامات في العقيدة والخلق والشرف؟

ان مسألة «التعليم المشترك» ليست الا قضية واحدة من قضايا كثيرة، وهي مثال واضح على ان الخطورة لا تكمن في مواقف الجمعية وقياداتها، بل تتمثل في أسلوب تفكيرهم، فهو أسلوب يقوم على «احتكار الصواب»، وبالتالي، هم لا يحاورون الآخر وصولا الى الحقيقة، بل يحاورونه «لهدايته» الى صوابهم وإلحاقه بوصايتهم، فإن لم يفلحوا، صبّوا عليه جام اتهاماتهم، متناسين أصول الحوار وآليات الممارسة البرلمانية، ومتناسين قبل ذلك قول الله عز وجل في سورة الحج «الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون».