Ad

في حالة مضي الحكومة قدماً في إزالة كل أشكال المخالفات التنظيمية، ومنها الدواوين وطي هذا الملف إلى الأبد أنصحها ألا تتراجع تحت ضغط الدعاية الانتخابية ولا تفكر في إحيائه مرة أخرى عبر الترويج لأطروحات مثل وضع ضوابط ورسوم، لأننا ببساطة قد تعودنا من خلال الكثير من التجارب السابقة على أن نرجع إلى «عادة حليمة»، فلا الضوابط تُحترم ولا الرسوم تُدفع وتكون الاستثناءات هي سيدة الموقف من جديد!

لعل من سخريات القدر أن تتحول أزمة الدواوين إلى مادة رئيسة في الحملة الانتخابية القادمة التي من المفترض أن تكون بداية لمرحلة سياسية جديدة في إطار التوزيع الجديد للدوائر، فقد كانت الفزعة في صيف 2006 لإقرار الدوائر الخمس عنواناً اتفقت عليه القوى السياسية والتيارات الإصلاحية والأغلبية الشعبية لتدشين عهد جديد قوامه التنمية والإصلاح السياسي والارتقاء بمستوى التعليم والصحة والخدمات العامة!

إلا أن توقيت إزالة الدواوين تحت بند «التعديات» قد يخطف الأضواء ويسحب البساط من تحت تلك العناوين المهمة لدى الكثير من المرشحين، ومن المحتمل إعادة هذا الملف الجدلي إلى قبة البرلمان الجديد، فقد استقر في العرف الكويتي أن الدواوين هي إحدى أهم الأدوات الانتخابية بل من بين أكثرها تأثيراً في توجيه الرأي العام خصوصاً في الانتخابات المرتقبة بسبب حظر الإعلانات واللوحات الدعائية، ويكون من الصعب أن يستسلم الكثير من المرشحين للتفريط بالدواوين خصوصا في هذا الوقت.

ومشكلة الدواوين كغيرها من القضايا الشائكة ساهمت في استفحالها الحكومات المتعاقبة، كما كان للتردد الحكومي وتغليب جانب المجاملات والوعود الوردية الدور الكبير في زيادة تعقيد المشكلة التي باتت كالمساكن العشوائية في المدن العملاقة في بعض دول العالم الثالث، وبمعنى آخر فإن أزمة الدواوين المخالفة هي شبه صنيعة حكومية تحولت الآن إلى دواوين من شأنها خلق أزمة مع الحكومة بل خلقت هذه الأزمة بالفعل ويبقى أن ننتظر نتائجها.

وعلى الرغم من تعاطفنا مع أصحاب الدواوين المخالفة الذين سوف يحرمون بلا شك من فرص اللقاءات الاجتماعية والتواصل الشعبي، وما قد تسببه إزالة هذه الدواوين من ضربة مؤثرة في العرف الكويتي لهذا الموروث التاريخي، ورغم الغبن الذي قد يستشعره البسطاء من المواطنين والإحساس بالتمييز الطبقي، حيث إن الكثير من العوائل تم منحها تراخيص لبناء دواوين فارهة وسوبر ديلوكس يرتادها علية القوم، وتكون الكلمة فيها محل احترام والرأي والمشورة فيها على درجة كبيرة من التأثير حتى في القرار السياسي، بينما تُمحى الدواوين المتواضعة لبقية أبناء الشعب المغلوب على أمرهم من الوجود، على الرغم من ذلك كله فإننا لا نملك إلا أن نحترم القانون وما يقتضيه واجب حماية الممتلكات العامة، وفي طليعتها أملاك الدولة حتى تكون أقدر على مواجهة المعتدين «الهوامير» على أملاك الدولة ممن بنوا عليها إمبراطوريات صناعية واستثمارية وسياحية وغيرها، ومن الأجدر أن تكون هذه التعديات الحقيقية عنواناً رئيساً في الحملة الانتخابية لعام 2008، بل إحدى ساحات المواجهة الوطنية في المجلس القادم.

ونصيحة ختامية للحكومة في حالة المضي قدماً في إزالة كل أشكال المخالفات التنظيمية، ومنها الدواوين وطي هذا الملف إلى الأبد ألا تتراجع تحت ضغط الدعاية الانتخابية ولا تفكر في إحيائه مرة أخرى عبر الترويج لأطروحات مثل وضع ضوابط ورسوم، لأننا ببساطة قد تعودنا من خلال الكثير من التجارب السابقة على أن نرجع إلى «عادة حليمة» فلا الضوابط تُحترم ولا الرسوم تُدفع وتكون الاستثناءات هي سيدة الموقف من جديد!