Ad

أسئلة كثيرة يطرحها اغتيال عماد مغنية؛ أولها، كيف تمكن الذين اغتالوه من اختراق دمشق الحصينة المحصنة التي لم تشهد أي حادثة على هذا المستوى من قبل؟وهل لحادثة الاغتيال هذه علاقة باغتيال رفيق الحريري الذي كان اغتيل قبل ثلاثة أعوام بالتمام والكمال؟ أم أن صراع تحالفات العنف الثوري وخلافات تنظيماته وفصائله هو المسؤول، وأن إحدى الخلايا السرية التي تعمل باسم «القاعدة» وأسامة بن لادن قد كمنت له في المكان الذي يعتبره آمنا واستطاعت تحويل سيارته إلى قنبلة متفجرة قاتلة؟

ستبقى الأسئلة والتساؤلات تدور حول اغتيال عماد مغنية، وما هي الجهة التي أقدمت على هذه الجريمة البشعة إلى أن تطوي الأيام هذه الحادثة كما طويت حوادث سابقة أهم أو أقل أهمية. فالتاريخ القريب وليس البعيد شهد اغتيالات كثيرة، أجددها ما جرى على الساحة اللبنانية، لكنها لاتزال مسجلة على ذمة مجهول وذلك مع أن هذا «المجهول» تتجه نحوه أصابع الاتهام حتى معروف بدمه ولحمه وباسمه وجسمه!

عماد مغنية ليس شخصاً عادياً، فهو صاحب اسبقيات لا تُعد ولا تُحصى، وهو مطلوب لأكثر من جهة من بينها إسرائيل والولايات المتحدة، وهو القائد الفعلي لحزب الله اللبناني، وهو ضابط الارتباط بين حراس الثورة الإيرانية، فيلق القدس تحديداً، وبين كل ما يُسمى البؤر الجهادية في المنطقة كلها كـ«حزب الله»، وحركة «حماس»، و«الجهاد الإسلامي»، وجيش المهدي، والعديد من التنظيمات السرية التي تعمل بأسماء وعناوين مختلفة في العديد من الدول العربية والإسلامية.

ولذلك، فإنه أمر طبيعي أن يتوجه السيد حسن نصرالله بالاتهام، وعلى الفور، إلى إسرائيل. فالإسرائيليون ذاقوا على يدي عماد مغنية الكثير من الويلات وكذلك الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى كثيرة من بينها دول عربية. لكن مع أن هذا الاحتمال كنسبة أكثر من وارد، فإنه على الذين يهمهم هذا الرجل الذي حياته كلها أسرار في أسرار، أن يسلطوا الأضواء على اتجاهات أخرى غير هذا الاتجاه... فالحكمة العربية القديمة تقول: «من مأمنه يؤتي الحذر»!!

لا يشبه اغتيال عماد مغنية إلا اغتيال «أبو العنف الثوري الفلسطيني» الدكتور وديع حداد، والفرق هنا أن وديع حداد مسيحي- علماني، وأن اغتياله تم بواسطة السم البطيء المفعول وفي عاصمة البعث الأخرى بغداد عندما كانت عاصمة العباسيين عاصمة للشق الآخر من البعث. أما عماد مغنية فإنه مسلم متزمت على المذهب الشيعي الاثني عشري، وهو يؤمن بالتقية وبعودة الإمام الغائب ولقد جرى اغتياله بسيارة مفخخة في عاصمة البعث الثاني الثانية التي كانت ذات يوم مجيد عاصمة الدولة العربية الأموية التي بعد انهيارها انتقلت إلى الأندلس لتبني مجداً تليداً للعروبة لايزال حياً في الحضارات الجديدة.

لا أحد عرف كيف وصل السم الزعاف إلى جسد وديع حداد الذي خلف وراءه تاريخاً عريقاً في الحذر والحيطة والتسرب من بين أصابع العديد من الأجهزة الاستخبارية التي كانت تبحث عنه تحت أظافر كل سكان المعمورة؟ لكن الذي عُرف أن هذا القائد الفلسطيني الفذ قد قبل بالتعاون والتنسيق مع مخابرات واستخبارات صدام حسين، لكنه رفض التَذيُّل إليها، ورفض أن يكون كاتم صوت مأجوراً لها، وأصر على أن يكون فلسطينياً لا يعمل إلا ما يقتنع بأنه يخدم القضية الفلسطينية، ولذلك فإن النتيجة أن السم البطيء قد عرف طريقه إلى جسده وقلبه، فانتهى تلك النهاية المأساوية التي أثارت استغراب رفاقه والمقربين إليه كلهم.

أسئلة كثيرة يطرحها اغتيال عماد مغنية؛ أولها، كيف تمكن الذين اغتالوه من اختراق دمشق الحصينة المحصنة والتي لم تشهد أي حادثة على هذا المستوى من قبل؟.. ثم لماذا جاء هذا الرجل المطارد والمطلوب من قبل أكثر من جهة وفي هذا الوقت من طهران إلى حيث كان مَن تمكنوا منه، بعد أقل من خمسة وعشرين يوماً، ينتظرونه؟ وهل لحادثة الاغتيال هذه علاقة باغتيال رفيق الحريري الذي كان اغتيل قبل ثلاثة أعوام بالتمام والكمال أم أن صراع تحالفات العنف الثوري وخلافات تنظيماته وفصائله هو المسؤول وأن إحدى الخلايا السرية التي تعمل باسم «القاعدة» وأسامة بن لادن قد كمنت له في المكان الذي يعتبره آمنا واستطاعت تحويل سيارته إلى قنبلة متفجرة قاتلة؟!

لا شك في أن اتهام إسرائيل غير بعيد عن الحقيقة، لكن البحث عن المجرم الذي ارتكب هذه الجريمة، التي هي أول جريمة على هذا المستوى من الخطورة تقع في دمشق، يجب ألا يسير في مسرب واحد، فهذا الرجل مطلوب لأكثر من جهة، وهو مثله مثل كارلوس الذي جرى بيعه للفرنسيين في صفقة قذرة، قد طرق دروباً وعرة وتنقل بين عواصم كثيرة وزج بنفسه في خلافات عقائدية وسياسية كثيرة.. وقد شوهد أكثر من مرة، وهو يقود وحدات ومجموعات من جيش المهدي في كربلاء، وفي غير كربلاء.

 

* كاتب وسياسي أردني