Ad

بين تأهب رفسنجاني واسترخاء أحمدي نجاد يقف المرشد آية الله علي خامنئي ماسكاً العصا من الوسط، يدرس المقترحات الروسية وقبلها السويسرية الداعية إلى وقف التخصيب الصناعي، وتأمين البديل من خلال كونسورتيوم دولي (اتحاد مالي) محايد.

«أجواء المنطقة مسمومة بصورة لا سابقة لها... فأعداؤنا الذين تم دحرهم يعودون إليها من جديد... ويعسكرون في قواعد علنيّة من حول البلاد ويروّجون بالسوء ضدّنا ويهددون ويتآمرون... إنهم يلجأون كذلك إلى حرب نفسيّة مثيرة تحمل في ما تحمل اتهامنا بصناعة القنبلة النووية...!

ونحن نقولها بكل وضوح: إننا نعرف تماماً مساوئ القنبلة النووية التي تقتل المذنب والبريء... وعليه فإن إيران لن تلجأ إلى خيار التسلح النووي مطلقاً... بالمقابل فأنا أدعو المسؤولين والشعب كافة إلى اليقظة والتأهب لحماية البلد من كل سوء... وأن يواجهوا الأمر بكل متانة وشجاعة وتدبير...

من جهتنا فنحن رغم كل الملاحظات... موجودون في مواقعنا المعهودة... ولدينا قائد فذ يتابع ويراقب تحركات العدو وعملائه الداخليين بنظرة ثاقبة...».

هذا الكلام منسوب إلى رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، وهو يخاطب آلاف العسكريين في مدينة آراك -وسط إيران- وهم يحيون ذكرى المئات من شهدائهم... في وقت تتزايد فيه التقارير الدولية التي تفيد بأن الرئيس الأميركي يحضّر لحرب ما ضد إيران قبيل مغادرته سدة الرئاسة التي غمرته بكوابيس الهزائم والفشل المتلاحق، لعله يغطي بعض عوراته التي بانت حتى لأقرب الحواريين الذين بدأوا يغادرون سفينته الغارقة على عجل!

وكلام رفسنجاني لابد أنه كلام مسؤول ونابع من دراية اشتهر بها وحرص لا أحد يشك في وطنيته أو دينه، لكن أحمدي نجاد الذي بات يمسك بدفة المفاوضات النووية في الظاهر لا سيما بعد استقالة لاريجاني... بالمقابل تراه يتحدث ويتحرك ويفاوض وكأن كل شيء على ما يرام وأنه لا خطر يتهدد إيران من أي زاوية كانت! لا بل إنه يرى في الإجراءات التي قد تتبع التهديدات الأميركية، نوعاً من التهديد الذي يمكن أن يتحول إلى فرص مواتية لصانع القرار الإيراني، كما ورد في إحدى خطبه الجماهيرية الحماسية الأخيرة التي لا تتوقف.

في هذه الأثناء، ثمة من يتحدث في طهران عن تفاهم ما استطاع بوتين أن يتوصل إليه مع القيادة الإيرانية خلال زيارته التاريخية إلى طهران قد يتحول إلى اتفاق عملي يفضي إلى حل «دراماتيكي» للملف النووي الإيراني يقضي في ما يقضي بقبول إيران وقف التخصيب الصناعي، وليس المختبري مقابل تعهد واشنطن بوقف نشاطاتها لزعزعة استقرار النظام في طهران، وبالتالي الاعتراف بشكل واضح ونهائي بالنظام الإيراني باعتباره خياراً إيرانياً داخلياً. ويقولون إن زيارة وزير الخارجية الروسي الأخيرة التي جاءت على عجل استهدفت استعجال مثل هذا الاتفاق قبل اجتماع الستة الكبار في لندن.

بين تأهب رفسنجاني واسترخاء أحمدي نجاد يقف المرشد آية الله علي خامنئي ماسكاً العصا من الوسط، يدرس المقترحات الروسية وقبلها السويسرية الداعية إلى وقف التخصيب الصناعي، وتأمين البديل من خلال كونسورتيوم دولي (اتحاد مالي) محايد مستمعاً في هذه الأثناء بجد واهتمام إلى تحذيرات رفيق دربه رفسنجاني، لكنه يقرأ بالمقابل كل التقارير المطمئنة التي تصله من مدرسة المحافظين الإيرانيين الجدد الذين ظهروا مع صعود تلميذه المخلص والنجيب أحمدي نجاد، والذين يعتقدون أن أميركا ليس باستطاعتها أن تحرّك ساكناً ضد طهران مهما صعدت في الإعلام والحرب النفسية المفتوحة لأغراض ابتزازية كما يروجون، متسلحاً في الوقت نفسه باتفاق الشفافية الذي عقده تلميذه النجيب الآخر علي لاريجاني والذي يفترض هو الآخر بأن الوضع دقيق للغاية وخطير لكن الإبقاء على «شعرة معاوية» مع الغرب وتالياً المجتمع الدولي عبر قناة أوروبا كفيل بإحباط المخطط الأميركي الابتزازي والاستفزازي.

وهكذا تراه يستعد للضربة كأنها واقعة غداً ويعمل من أجل الحوار، وكأنه مستمر أبداً! وهكذا يصبح الوقت بدوره سلاحاً فعالاً في خدمة الاستراتيجية الإيرانية، التي لا تتوقف عند موضوع الملف النووي، بل تتعداه لتمتد إلى سائر الملفات الساخنة التي تتصارع على ساحاتها الاستراتيجيتان الإيرانية والأميركية من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى فلسطين!

لذلك ترى ثمة من يعتقد في طهران من المتابعين الجيدين للسياسة الإيرانية أنه رغم الاختلاف الجدي في الأداء بين هذا الفريق أو ذاك من الفرقاء المحليين فإن ثمة «مايسترو» جماعياً يدير اللعبة في البلاد، بما يجعل الجمع بين «التأهب» و«الاسترخاء» أمراً ممكناً، بل مفيداً أحياناً!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني