لا يوجد أمام الفلسطينيين والإسرائيليين أي خيار للتفاوض غير هذا، فهذه ربما تكون الفرصة الأخيرة والوضع في المنطقة لا يسمح بالاسترخاء والبديل سيكون بالنسبة للطرفين هو المزيد من الفوضى وسفك الدماء، أما بالنسبة للأميركيين الذين تكوي جنوبهم ألسنة نيران العراق المتأججة، فإنه سيكون المزيد من التطرف والإرهاب واختلال المعادلة الإقليمية لمصلحة النفوذ الإيراني الزاحف من الشرق بخطىً سريعة!!حسب الأوساط المقربة من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) فإن اجتماع القدس الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت كان أفضل من اجتماع أريحا الذي سبقه وأفضل أيضاً من الاجتماع الأسبق، الذي انعقد بدوره في الجزء الغربي من المدينة المقدسة... فهذه المرة لم يدر المتفاوضون كما في المرات السابقة في حلقات مفرغة ويستنـزفوا وقتهم كله في القضايا الجزئية والثانوية.
هذه المرة، أي في اجتماع القدس الأخير، كان النصيب الأكبر من الحوار والنقاش للقضايا الرئيسة التي تعتبر أكبر العقبات الصعبة التي تعترض طريق عملية السلام كالمياه والحدود واللاجئين والقدس... وأيضاً عودة المبعدين وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذي تشير آخر التقديرات إلى أن عددهم قد تجاوز أحد عشر ألف أسير.
هذه القضايا كلها جرى التطرق إليها وربما تم الغوص في بعض تفاصيلها في الاجتمــاع «الانفرادي» المغلق الذي استغرق نحو ساعة ونصف الساعة بين الرئيس الفلسطيني ومفاوضه رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكن وبصورة عامة فإنه لا جلسة واحدة ولا عشر جلسات مثل هذه الجلسة تكفي لحل عقـــدة تاريخية مثل هذه العقدة التي اقترب عمرها من المئة عام والمثل يقول «إن الشياطين تقبع في التفاصيل»... والمعروف أن المشكلة بالإضافة إلى أنها مشكلة ثوابت وقضايا مبدئية، فإنها أيضاً مشكلة تفاصيل.
حسب زعيم الصين «الخالد» ماوتسي تونغ فإن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وهنا إذا كانت هذه الحكمة لهذا الزعيم أم لأب الوطنية الصينية «صن يات صن» فإن المقربين من الرئيس الفلسطيني الذين يعرفون في العادة بعض خفايا لقاءاته المغلقة «الانفرادية» مع إيهود أولمرت يصفون اجتماع الثلاثاء الماضي، في القدس الغربية، بأنه مشجع جداً وأنه أكثر من مجرد خطوة واحدة على طريق الألف ميل، وأن مؤتمر الخريف المقبل «الدولي» الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش سيكون محطة رئيسة على طريق حل قضية الشرق الأوسط هذا إذا سارت الأمور على هذا النمط وفي هذه الطريقة.
بعد أيام ستأتي كوندوليزا رايس مجدداً إلى هذه المنطقة، وهي ستراجع ما تم التوصل إليه في هذا الاجتماع الأخير الفلسطيني – الإسرائيلي الذي انعقد يوم الثلاثاء الماضي في القدس الغربية... وهي ستصر على ضرورة أن تستمر هذه الاجتماعات وأن تكون أكثر جدية، بحيث عندما ينعقد مؤتمر الخريف المقبل يكون الفلسطينيون والإسرائيليون قد اتفقوا على «الإطار السياسي» الذي لابد منه لتوفير، ولو الحد الأدنى، من النجاح لهذا المؤتمر الذي ربما أن الرئيس بوش بحاجة إليه أكثر من (أبو مازن) وأكثر من أولمرت.
لا يوجد أمام الفلسطينيين والإسرائيليين أي خيار غير هذا الخيار، فهذه ربما تكون الفرصة الأخيرة والوضع في المنطقة لا يسمح بالاسترخاء والبديل سيكون بالنسبة إلى الطرفين هو المزيد من الفوضى وسفك الدماء، أما بالنسبة إلى الأميركيين الذين تكوي جنوبهم ألسنة نيران العراق المتأججة، فإنه سيكون المزيد من التطرف والإرهاب واختلال المعادلة الإقليمية لمصلحة النفوذ الإيراني الزاحف من الشرق بخطىً سريعة!!
إنه شيء عادي وطبيعي أن يقول خالد مشعل إن مؤتمر الخريف المقبل سيكون فاشلاً، فهو صاحب مشروع سياسي معروف لا يمكن تحقيقه إلا بتدمير السلطة الوطنية وإفشالها وتدمير منظمة التحرير وإنهائها، وهذا هو السبب الحقيقي والرئيسي لانقلاب غزة الأخير... لذلك فإنه على الإسرائيليين أن يكونوا جادين بالفعل، وعلى الأميركيين أن يبدوا حرصاً أكثر على نجاح وإنجاح هذا المؤتمر... وهذا ينطبق على العــرب الذين يرفضون أن تصبح القضية الفلسطينية قضية ثانوية!!
*كاتب وسياسي أردني