Ad

هل يكون الفجور الواضح في الخصومات، والتطرف في المواقف إلى حد بعيد، والنزعة الدائمة للتصادم والمواجهة هي قشرة خارجية تخفي تحتها اضطرابا مجتمعيا يعود إلى أن الناس فقدت الأمل، في أن تنصلح الأمور وتعود البلاد إلى مسارها التنموي الإيجابي، فصارت تعبر عن غضبها وانفجارها في كل اتجاه؟!

سألني أحد العاملين معي، وهو أجنبي لا يتحدث العربية، ما الذي يحصل عندكم في الكويت أخيرا؟ هل أنتم على أعتاب حرب أهلية؟!

لم أندهش كثيراً مما قاله الزميل، بعدما عرفت أنه كان يتابع من خلال الصحف الكويتية الناطقة بالإنكليزية وكذلك من خلال نقاشات الكويتيين من حوله الحرارة المتصاعدة للحراك السياسي-الاجتماعي في الكويت، ابتداء من التصادمات البرلمانية الحكومية التي تكررت خلال الأشهر الأخيرة بشكل ملحوظ مع ترافقها مع علو الصوت واستخدام الألفاظ الحادة في مختلف القضايا، مروراً بأزمة التأبين التي كانت قد أدخلت الكويت في دوامة عاصفة، وصولاً إلى استقالة الحكومة المفاجئة وبيان استقالتها الذي اتهم البرلمان بكل انحراف واعوجاج، ومن ثم حل البرلمان على إثر ذلك في ملابسات احتبست معها الأنفاس خوفاً من أن يكون حلاً غير دستوري.

وهذا الزميل الأجنبي يتابع اليوم كذلك ما تنشره الصحف وما يقوله الزملاء عن (مغامرات) الانتخابات الفرعية، وهي التي يجرمها القانون ويطارد أتباعها رجال الأمن والمباحث العامة، والتي قالت وزارة الداخلية عنها إنها ستستعين بالقوات الخاصة لمداهمة المنازل المشبوهة!

فعلا، فمن يتابع هذه الأحداث المتكهربة العجيبة من غيرنا نحن الكويتيين خصوصا من الأجانب، فلا بد له أن يظن أننا على أعتاب حرب أهلية، لكنني ما حمدت الله على شيء بقدر ما حمدته على أننا جزء لا يتجزأ من أمة العرب، وأننا من أولئك الذين يثبتون النظرية القائلة إن العرب ليسوا سوى ظاهرة صوتية، فالحمد لله أن هذه التظاهرات المحمومة والحراك المحتدم ليست إلا نشاطات إنشائية صوتية لا تتجاوز إثارة الغبار على مستوى منخفض والزوابع في الفناجين في الدواوين والمقار الانتخابية!

يقال دائما إن الشعب الكويتي شعب مسالم هادئ وديع، وإن تاريخه يثبت ذلك بشكل كبير، فلماذا اليوم أصبح يتعامل مع قضاياه بهذا الأسلوب التصادمي وبهذه الطريقة الجارحة؟ لماذا انحدرت لغة الحوار فيما بيننا حتى صرنا نجد من النواب من يقول لزميله يا حيوان، ومن يخاطب رئيس الحكومة فيقول له سأكسر رأسك، ومن يخاطب الوزراء من أبناء الأسرة ومن غيرهم بكل قلة أدب وعدم احترام؟ ولماذا صارت لغة بعض كتاب الصحافة أسوأ من لغة صعاليك الشوارع؟ ولماذا صار بعضنا متحفزاً للهجوم على بعضنا الآخر وكيل الاتهامات والشتائم له دون أي تردد ودون تفكير؟ والأهم من هذا كله، لماذا صار كل هذا مألوفاً في مجتمعنا وما عاد يثير أي رفض أو حتى استهجان؟!

أيحتمل أن يكون مجتمعنا قد صار اليوم أسيراً لمركب غضب متأجج في داخله، سرعان ما نراه ينفجر تجاه حتى أتفه القضايا وأبسطها، بل من خلال أوعر الطرق وأقسى الوسائل؟ وأن يكون هذا الفجور الواضح في الخصومات، والتطرف في المواقف إلى حد بعيد، والنزعة الدائمة للتصادم والمواجهة هو قشرة خارجية تخفي تحتها اضطرابا مجتمعيا يعود إلى أن الناس فقدت الأمل، أو كادت، في أن تنصلح الأمور وتعود البلاد إلى مسارها التنموي الإيجابي، فصارت تعبر عن غضبها وانفجارها في وجه كل شيء وأي شيء وفي كل اتجاه؟! لست متأكداً جداً، ولكن أسأل الله السلامة!

* * *

من الأمور المرتبطة بحالة الاحتقان والتطرف المجتمعي أعلاه، الانتخابات الفرعية بشكلها الجديد الذي تواكب مع الدوائر الخمس. لم يسبق أن شهدت هذه الانتخابات مثل هذا التوتر الذي تشهده هذه الأيام، على مستوى بعض القبائل على الأقل.

مخيف جدا أن يصل الأمر أن تقوم فروع من فروع من فروع للقبائل بإقامة انتخابات فرعية فيما بين أبنائها، فيصل الأمر إلى حالة من عدم الثقة والتخوين والشك حتى يُجبَر المشاركون فيها على القسم على القرآن لضمان الالتزام!

القبيلة التي تعني قبل كل شيء وفوق كل شيء الارتباط الاجتماعي التكافلي بالمعروف والحق، تجد نفسها اليوم تحت مكبس المعترك السياسي المليء بالملوثات وهو المعترك الذي يفترض ألّا يكون لها شأن فيه أساسا في ظل دولة المؤسسات والدستور.

أن تصل بنا الحال اليوم إلى مرحلة يصبح فيها المرء مشكوكا فيه عند أخيه وابن عمه ومن يرتبط بهم بوشيجة الدم فيصبح مطالبا للقسم على القرآن ليثبت أنه سيفي بوعده، وأن تهدد بذلك أواصر القربى بالانهيار بعدما سحقت تحت جزمة الفرعيات التي تحركها في الأغلب النزعات الشخصانية للوصول إلى مقعد البرلمان بأي وسيلة وثمن، فهذا مؤشر خطير جداً، وأعجب كيف يغيب عن عين عقلاء وحكماء القبائل.

إذا كانت هذه الحالة من عدم الثقة قد صارت تسود ما بين أبناء العمومة في القبيلة الواحدة، فكيف ستكون الحالة ما بين القبائل وبعضها بعضا، وما بين مختلف فئات المجتمع، وكيف ستكون هي حالة المجتمع بشكله العام بمختلف فئاته بعد ذلك يا ترى؟!

مخطئ من يظن أن هذه الحالة المتوترة ستنقشع مع نهاية الفترة الانتخابية، فعوالق النفوس واتهامات التخوين والحساسيات المتصاعدة ستبقى عالقة في الصدور، وستبقى تنعكس على التصرفات والأفعال بعد ذلك. ولا حول ولا قوة إلا بالله!