Ad

رغم استقبالنا للرئيس بوش كصديق وحليف ورغبتنا في تعزيز العلاقات الثنائية مع واشنطن على الصُعد المختلفة، فإن هذا التميز في العلاقات يجب ألا يحرجنا أو يشعرنا بالخجل من انتقاد السياسة الخارجية الأميركية في منطقتنا.

عبارة شيقة ومعبرة أطلقها أحد مرشحي الرئاسة الأميركية للانتخابات القادمة مفادها «أننا نريد أن نجعل الولايات المتحدة أمة بين الأمم ليس أمة فوق الأمم»!! فإذا كانت الشعارات الانتخابية، خصوصاً على المستوى الوطني وفي مناسبة بحجم اختيار زعيم أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، تحاكي الإحساس الشعبي العام وتستهدف رضا شرائح واسعة في المجتمع الأميركي، فإننا لسنا بحاجة إلى دليل آخر على مدى تذمر الشعب الأميركي نفسه من سياسة حكومته الخارجية، ولاسيما في عهد الرئيس جورج بوش الابن، فقد أصبح من الواضح أن الرأي العام الأميركي أخذ في الانكفاء على الداخل وجر مرشحي الرئاسة كما فعل في انتخابات الكونغرس الأخيرة جراً نحو أولوياته المحلية في الاقتصاد والمعيشة والسكن والتأمين الصحي ونظام الضريبة في مقابل تذمر واسع وندم كبير على التركيز على السياسة الخارجية خلال العقد الماضي تحديداً، والتي لم تجلب للأميركيين سوى المزيد من الغضب والكراهية العالمية في عهد الانفتاح والعولمة.

وعلى الرغم من العلاقة الإستراتيجية والوطيدة التي تربطنا في دولة الكويت مع الولايات المتحدة وعلى الخصوص بعائلة بوش الرئاسية التي كان لها الدور المباشر في تحرير بلدنا من الاحتلال الصدامي ومن بعد ذلك القضاء نهائياً على هذا النظام المجرم، فإننا لن نكون ملكيين أكثر من الملك، ورغم استقبالنا للرئيس بوش كصديق وحليف ورغبتنا في تعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة على الصُعد المختلفة، فإن هذا التميز في العلاقات يجب ألا يحرجنا أو يشعرنا بالخجل من انتقاد السياسة الخارجية الأميركية في منطقتنا، ولن نغرد خارج السرب مداراة أو مجاملة عن أصوات الاغلبية العظمى من شعوب العالم العربي والإسلامي، بل حتى الرأي العالمي. فتناقض الإدارة الأميركية في شعاراتها البراقة من حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب والاستقرار مع ممارساتها العملية كسياسة ثابتة أصبح عبئاً ثقيلاً على أصدقائها ومصدر قوة لخصومها، فالحزمة المتكاملة للسلوك الإسرائيلي اليومي بما تتضمنه من انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي والإرهاب الرسمي والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن تفسير مفرداتها إلا في القاموس الأميركي، واستطلاع الرأي العام في عموم أوروبا قبل سنتين والذي صنف إسرائيل كأخطر تهديد للسلم العالمي ونسبة %80 لا يمكن ترجمته سوى في أدبيات الثقافة الأميركية، واستراتيجية الولايات المتحدة نفسها في تصفية حساباتها السياسية إقليمياً وعالمياً على خارج أرضها تحت شعار محاربة الإرهاب والاستقرار العالمي جعلها مصدر الكراهية وأساس عدم الاستقرار من المحيط إلى الخليج.

ومساعي الإدارة الأميركية إلى فرض نفسها شرطياً على العالم جعل منها أضحوكة حيث يتعرض هذا الشرطي يومياً إلى الإهانة والضرب المبرح من كل حدب وصوب وتمرغ كرامة وهيبة الأميركيين في وحل الكراهية والسخرية على حدٍ سواء، وعلى يد أبسط خلق الله وأكثرهم ضعفاً وتخلفاً، وإذا كانت الولايات المتحدة قد تحولت فعلاً إلى غول كبير يجول العالم ويدوس على رؤوس الصغار وديارهم وممتلكاتهم، لكن هذا الغول يدوس على الشوك والحصى الحارق أيضاً فيدوي صراخه وأنينه على نطاق واسع.

ونصيحة استقبال ووداع لصديق الكويت نقول: لو استخدمت إدارتك، السيد الرئيس، العقل والمنطق والاقتصاد والتكنولوجيا بدل الصواريخ والقنابل والعضلات لاحتلت أميركا العالم عن طيب خاطر، ولتغير ميزان التجارة الخارجية بمنافع مشتركة بدلاً من تجارة استيراد صناديق بشرية حية من أطراف العالم لتودع في السجون والمعتقلات وتصدير توابيت القتلى من الشباب والشابات الأميركيين إلى أنحاء الكون المختلفة!!