Ad

إذا كانت دعوة إيران إلى حضور هذا المؤتمر مجرّد خطوة عابرة هدفها إظهار حسن الجوار وحسن النوايا فإن هذا جميل ولا اعتراض عليه، أما إذا كان الوجود الإيراني سيصبح من الآن فصاعداً حقيقة تفرض نفسها على هذه المنطقة من خلال العضوية الدائمة في مؤتمرات كهذه فإن هذا أمر في غاية الخطورة.

من حيث المبدأ كانت دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى حضور مؤتمر الدوحة الذي حضرهُ قادة دول الخليج العربي كلهم خطوة سياسية «تكتيكية» بارعة، فترويض النمر واكتفاء شرّه يقتضي الاقتراب منه أكثر من اللزوم ويقتضي استدراجه للتعايش السلمي، ومع أنه ثبت أن مثل هذا العمل لم يكن في أحوال كثيرة مضمون العواقب، فالمثل يقول: «إن الطَّبع يغلب التطبع».

إنها خطوة حسن نوايا، وكان المفترض أن يأتي محمود أحمدي نجاد إلى هذا المؤتمر الهام، وهو أكثر تواضعاً وأقل عنجهية، وكان المفترض ألا يقلّد «طاووسية» شاه إيران السابق، وأن يقابل هذه الخطوة الخيّرة بخطوة حسن نوايا مماثلة، وأن يتصرّف بغير عقلية إمبراطور دولة إقليمية عظمى اسمها «جمهورية إيران الإسلامية».

هناك قضايا بقيت عالقة بين «الجارة العزيزة» والعرب قبل الثورة الإيرانية وبعدها وقضية الجزر الإماراتية الثلاث: «طنّب الكبرى وطنّب الصغرى وأبو موسى» تأتي في مقدمة هذه القضايا، وهناك «التنغيصات» الإيرانية المستمرة في الحديث عن أن مملكة البحرين العربية جزءٌ من إيران، وهذا يرفضه شعب البحرين رفضاً قاطعاً ومانعاً، وتعتبره الأمة العربية تدخلاً في شأن عربي داخلي.

لم يكن منتظراً أن يردّ محمود أحمدي نجاد على سائليه حول مستجدّات المشروع النووي بتلك الطريقة العصبية والاستعلائية النـزقة، فهو يعرف أن هذا السؤال وإن جاء على لسان صحافي «حشري» يبحث عن خبر مثير فإنه في حقيقة الأمر السؤال الذي ينتظر القادة والزعماء العرب المشاركون في هذا المؤتمر إجابة شافية عنه من ضيفهم «العزيز» الذي كان من المفترض أن يردّ بأسلوب أكثر لياقة وأكثر احتراماً لهذه القمة وأصحابها.

كان يجب أن يقول محمود أحمدي نجاد شيئاً عن الجزر الإماراتية، التي احتلّتها بلاده بالقوة العسكرية في عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي، وعندما جاءت «الثورة» ورثت هذا الاحتلال في إطار ما ورثته، وكان يجب أن يبادر ويعلن أن كل ما يُقال في طهران حول مملكة البحرين على صفحات بعض الصحف لا يعبّر عن وجهة النظر الرسمية الإيرانية. لقد كان عليه أن يبادر إلى التأكيد على أن البحرين دولة مستقلة وأنه لا أطماع لبلاده في هذه الدولة.

إن الرئيس الإيراني لم يفعل هذا، وهو أيضاً لم يؤكد أن بلاده لم ولن تتدخل، تدخّلاً سافراً في الشؤون الداخلية العراقية، وأنها مع وحدة بلاد الرافدين، وأن العراق دولة عربية... لقد قفز محمود أحمدي نجاد عن كل هذه المواضيع الهامّة والمقلقة، واقترح توقيع اتفاقيات أمنية مع الدول الخليجية وفي نفسه هدف تسرّب «الحرس الثوري» إلى هذه المنطقة واختراقها بصورة شرعية ومشروعة.

ثم إن هناك قضية أخرى في غاية الخطورة وهي أنه إذا كانت دعوة إيران إلى حضور هذا المؤتمر مجرّد خطوة عابرة هدفها إظهار حسن الجوار وحسن النوايا فإن هذا جميل ولا اعتراض عليه، أما إذا كان الوجود الإيراني سيصبح من الآن فصاعداً حقيقة تفرض نفسها على هذه المنطقة من خلال العضوية الدائمة في مؤتمرات كهذه فإن هذا أمر في غاية الخطورة، فهذه الدولة الإقليمية الكبرى المجاورة لديها تطلعات إقليمية معلنة، ولذلك إن هي تمكّنت من أن تصبح «مراقباً» دائماً في القمم الخليجية فإن هذا سيكون بمنزلة الطامّة الكبرى.

* كاتب وسياسي أردني