تصادف تقديم الاستجواب الموجه إلى وزير النفط وتقديم طلب طرح الثقة به، الذى أعقبه تقديم الوزير استقالته، مناقشة الميزانية العامة للدولة، وميزانيات الهيئات والمؤسسات العامة والحسابات الختامية لها، وذلك تمهيداً لإقرارها، بعد التصويت عليها.
وقد احتل الاستجواب كالعادة مساحة كبيرة من صفحات الصحف ومانشيتاتها والتعليقات والتصريحات، للوزير الموجه إليه الاستجواب، وللنواب. كما احتل الاستجواب كالعادة كذلك، اهتمام الشارع الكويتى، وكان حديث الديوانيات، التى كانت تجرى فيها مناقشة الاستجواب وطرح الثقة بالوزير أو الدفاع عنه، قبل مناقشته في البرلمان، وسماع أوجه دفاعه. كما امتلأت قاعة، الشيخ عبدالله السالم الصباح في مجلس الأمة أثناء مناقشة الاستجواب، بالوزراء والنواب كافة وجمهور من المواطنين الذين وفدوا من كل حدب وصوب، ليستمعوا إلى الطرفين، المستجوبين والوزير، والمؤيدين لكليهما، وهي جلسة يطلق عليها في الكويت العرس الديموقراطي.وأما الرقابة البرلمانية التي يمارسها البرلمان على إقرار الميزانية والحساب الختامي التي عاصرها تقديم الاستجواب ومناقشته، فإنها لا تحظى بمثل هذا الاهتمام، بل إن قاعة مجلس الأمة تكاد تخلو من أغلبية الأعضاء والوزراء في أثناء مناقشة الميزانية والحساب الختامى، حيث يقتصر الحضور على النائب الذي يدلي برأيه عندما يحين دوره وعدد قليل من النواب الذين ينتظرون دورهم، بما يحرم مناقشة الميزانية من تبادل الرأي والحوار حول المسائل التي يثيرها النائب في كلامه، وقد لا يكتمل النصاب عند التصويت بعد انتهاء المناقشة، فيؤجل التصويت لعدم اكتمال النصاب.والواقع أن اختصاص البرلمان بإقرار الميزانية، هو أول وسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية في تاريخها في العالم، وهو كذلك أهم وأخطر اختصاص يمارسه البرلمان في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية لأن الميزانية تعبر عن خطة الحكومة وتصور برنامجها للحكم في فترة مقبلة من الزمن، ومن خلال مناقشتها، يناقش البرنامج السياسي للحكومة، ويحاسبها عليه أو يسحب الثقة منها في الدول التي تجيز دساتيرها ذلك بغير استجواب أو يضطرها إلى الاستقالة.وتغيب هذه الوسيلة في التطبيق حين يكون الحديث في مناقشات الميزانية بعيداً عن تقديرات الميزانية وأرقامها من دون الربط بهذه الأرقام وأحيانا في مسائل لا ترتبط بهذه التقديرات أصلا، وهو ما يخرج عن مضمون هذه الرقابة وفحواها الذي يقتضي تفعيله أن تدور مناقشات الميزانية حول الأرقام الواردة بها وربطها بالحالة المالية للدولة وبتحقيق أهداف السياسة العامة ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما يمكن استخدامها للتوجيه الاجتماعي والاقتصادي ويكون الهدف من المناقشة الوقوف على حسن اختيار الحكومة بين البدائل المختلفة في تحقيق الأهداف والسياسات المتقدمة، وتقييم النشاط العام والحكم على كفاءة الإدارة الحكومية وأداء المرافق العامة بما في ذلك تحديد كلفة هذه الأهداف ومنافعها بالقياس بمجموع المستفيدين من تحقيقها.وهو ما تحرص عليه لجنة شؤون الميزانيات والحسابات الختامية بالمجلس عندما تستدعي الوزراء والمسؤولين والمراقبين بديوان المحاسبة لمناقشة الجميع في ملاحظات الديوان على الميزانيات، وهو جهد مشكور ومحمود من اللجنة، إلا أنه لا يجد إلا صدى محدوداً في المناقشات التي تجري داخل جلسات المجلس.ولقد كان الأمر على عكس ذلك تماماً في بداية الحياة النيابية حيث كانت تدور مناقشة الميزانية في هذه الجلسات في ظل هذه المفاهيم، ففي جلسة مجلس الأمة المعقودة بتاريخ 18/6/1963 دارت المناقشات حول الربط بين أرقام الميزانية ومدى كفايتها لتنفيذ الحكومة لبرنامجها، عندما أثار أحد الأعضاء أن الخفض الوارد في الباب الثالث سوف يؤثر على ما وعدت به الحكومة في برنامجها الخاص بإنارة الشوارع، وعندما أثار بعض الأعضاء أن المبلغ المخصص في الميزانية للانشاءات والاستملاكات لا يكفي لبناء 250 بيتاً من بيوت ذوي الدخل المحدود، مع أن الرغبة ملحة لإنشاء ثلاثة آلاف بيت على الأقل هذا العام.والجدير بالذكر انه جرت محاولة من بعض الاعضاء وفي مقدمتهم النائب المحترم مشاري العنجري، لإعادة مناقشات الميزانية إلى مسارها الصحيح. حيث قدم وزملاؤه اقتراحاً إلى المجلس في الفصل التشريعي الأسبق بإحالة هذا الموضوع مع موضوعات أخرى خاصة بالميزانية الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لإبداء الرأي فيه، حيث قدمت اللجنة تقريرها الذي انتهت فيه الى اعتماد المفاهيم السابقة التي تعيد لهذه الرقابة البرلمانية الغائبة مكانها الذي يجب أن تتبوأه، باعتبارها أخطر وسائل الرقابة البرلمانية.
مقالات
ما قل ودل: الاستجواب ورقابة برلمانية غائبة
09-07-2007