أبو عمر المصري، هو أحد القيادات الجهادية التي ذهبت إلى منطقة البلقان في التسعينيات، لكنه رحل إلى ألمانيا ومنها إلى إيطاليا، حيث حصل على اللجوء السياسي هناك، واختطفته المخابرات الأميركية من دون الرجوع إلى السلطات الإيطالية وسلمته إلى مصر ثم أفرج عنه، ولا تزال قضيته معروضة اليوم على القضاء الإيطالي، وهو أحد المهتمين البارزين بما يجري على الساحة الجهادية، لذا كان مهماً الاستماع إلى صوته بشأن الجدل حول المراجعات التي يجريها القيادي الجهادي الكبير «سيد إمام الشريف»، خاصة أنه يملك رأيا مثيرا حول التأثير المتوقع لهذه الخطوة، إذ انه يخشى أن ينفذ «القاعدة» عمليات عشوائية لإثبات أنه لم يتأثر بالمراجعات، وأن عناصره مازالوا على تماسكهم التنظيمي، فكان لـ «الجريدة» هذا الحوار معه:
• كيف تقيّمون مبادرة الشيخ سيد إمام الشريف؟- أتوقع أن يكون للكتاب القبول لدى الإسلاميين داخل وخارج مصر، كما كان لكتبه السابقة، والمراجعات أؤيدها تأييدا كاملا، وأعتقد أن هذا الكتاب «ترشيد العمل الجهادي» سيكون له وقع طيب - إن شاء الله - في نفوس العاملين لدين الله تبارك وتعالى. • ما أبرز النقاط التي ترى أنها جديدة ومفيدة في هذه المبادرة من خلال ما نشر حتى الآن؟ - الدكتور فضل معلوم عنه الفقه والمكانة العلمية لدى الحركات الإسلامية بصفة عامة، والحركة الجهادية بصفة خاصة، وكان ملما بكل ما يحدث داخل مصر وخارجها، لذا جاء كتابه ليوافق كل ما يتمناه المسلم، خاصة في هذا الزمن الذي رأينا فيه العمليات العشوائية والقتل للقتل والقتل على الجنسية والهوية وعمليات الاستحلال، فهو غطى مسائل كثيرة شرعية كنا نتمنى أن تصدر من عالم وأحد رواد الحركة الإسلامية كالدكتور سيد إمام، فهو في المقدمة أكد على بعض التنبيهات، وأهمها إعلانه أنه لا يوافق على أن يأخذ أي أحد كان من كتبه السابقة دون الرجوع إليه، وهذا أمر مهم جدا لأننا رأينا شباب الحركات الجهادية في مناطق عديدة من العالم أخذوا المسائل والقضايا التي ذكرها الشيخ «سيد إمام» في كتابيه «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم الشريف»، وأوَّلوها وحرفوها عن مقصوده وقاموا بعمليات عشوائية استحلُّوا فيها أموال الناس. ثم تطرق إلى موضوع العلم الشرعي، وفعلاً هو موضوع مهم جدا، وأي فقيه أو عالم يضع موضوع العلم في مقدمة كتابه، لأنه من دون موضوع العلم سيصبح الناس رعاعاً وهمجيين لا فائدة منهم، وبيَّن الدكتور سيد إمام أن هناك أناساً أفتوا من دون علم شرعي فأفسدوا وأضلوا وأريقت دماء كثيرة ما كان ينبغي لها أن تراق لو أن أصحاب الفتاوى كانوا على علم، ورأينا أموالاً استحلت وقتلاً ونسفاً وتدميراً، وهتكاً للأعراض والأنفس المعصومة. ثم تطرَّق إلى موضوع الاستحلال، «خاصة أني كنت أقيم في أوروبا وأرى هذه النقطة وكانت مصيبة كبيرة جدا، فقد كان هناك شباب يعيشون في الجاهلية ويسرقون أموال الناس ويتاجرون في المخدرات وفجأة يعلنون أنهم قد التزموا، لكنه التزام ظاهري أجوف، فهم كانوا قبل التزامهم يسرقون ويعرفون أنهم يسرقون ويقولون نحن نفعل الخطأ والمعاصي، لكنهم بعد التزامهم يسرقون ويقولون نحن لدينا أدلة شرعية، هؤلاء سرقونا ونحن نستحل أموالهم ولدينا فقهاء وعلماء يفتون لنا، وهذه مصيبة كبيرة يتعرض لها الشباب المسلم في أوروبا». موضوع الخروج على الحكام، وهو أمر في غاية الأهمية أن تراق دماء مسلمة في مواجهات مع أنظمة تمتلك القوة والقهر والعدة والعتاد، من دون أن يكون لدى هؤلاء المقدرة المادية والعتاد ليواجهوا هذه الحكومات، فالشيخ «سيد إمام» وضّح هذه المسألة وأظهر أن عدم امتلاك الجماعات الإسلامية للقوة يفرض عليهم عدم تعجل المواجهة مع الحكومات حتى لا يحدث ما حدث خلال السنوات الماضية. * أنت أصدرت بياناً ترد فيه على هاني السباعي بشأن معارضته للمراجعات والمبادرة التي يقدمها الشيخ سيد إمام، فما دوافعكم إلى ذلك؟ - بداية أقول إنني لا أعرف هاني السباعي معرفة شخصية، لكن أقول من خلال متابعتي لما يكتبه وما يقوله للأسف فإنه يقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها قياديون جهاديون في أوروبا مثل مصطفى كامل (أبو حمزة) – فك الله أسره، ومثل «أبو قتادة» الفلسطيني، وحتى «أبو محمد المقدسي» في الأردن، للأسف إغراءات الإعلام وأضوائه وبعض الإغراءات من جانب الشباب المسلم المتحمس للجهاد، دفعت هؤلاء إلى الوقوع في مصيدة الحكومات الغربية، نفس الأخطاء يكررها الآن الدكتور هاني السباعي وأخشى عليه أن يحدث له مثلما حدث لغيره من القيادات، فمعظم كتاباته ولقاءاته تستفز الحكومات الغربية والحركة الإسلامية بصفة عامة ويجر الشباب المسلم في أوروبا والقيادات الإسلامية إلى الدخول في صدامات مع الحكومات الغربية، في وقت نرى أوروبا أشهرت أسلحتها في وجه الإسلام والمسلمين، فهو قد هاج وماج برغم أن له تصريحات سابقة لقبوله كلام الدكتور سيد إمام، إلا أنه انقلب على عقبه وأخرج ألفاظا وتكلم في حق العمل والوثيقة كلاما مثل «أن الكتاب جاء وسط زفة إعلامية» و«أنه أخذ مباركة من أمن الدولة»، فرددت عليه وقلت إن هذا سفه، وإن كانت هناك زفة فهي زفة إسلامية مئة في المئة، فرح أبناء الحركات الإسلامية داخل السجون وخارجها بالكتاب فرحاً عظيماً جدا، ولم يعترض عليه إلا بعض الأخوة عددهم يتراوح بين 25-30 معظمهم معتقل، ومن الشبه التي طرحها هاني السباعي، قال: إن الوثيقة صدرت من داخل السجن وأنه تعرَّض إلى ضغوط فرضت عليه لإصدار الكتاب، فهل هو عاش معه في السجن؟ وهل الضغوط تنفع مع أمثال الدكتور سيد إمام الذي عاش سنوات طويلة في المحن والابتلاءات ولا يبغ من الدنيا أي متاع زائل، فلا يصح أن يصدر مثل هذا الكلام عن هاني السباعي، والدكتور سيد إمام كان يتوقع هذا الأمر لذا فقد قال: إنه ألف الكتاب رحمة وشفقة على أبناء الحركة الإسلامية الجهادية، ودرءا للمفاسد والدماء التي أريقت من دون وجه حق، كان سيد إمام بالنسبة لهاني السباعي وكثير من قيادات الحركة الإسلامية العالم العلامة وفقيه المجاهدين، وبعد أن استبانت له الرؤية بتقديم «ترشيد العمل الجهادي»، أصبح عميلاً للأجهزة الأمنية ولا يقبل منه شيء، هذا ليس من أخلاق المسلمين، ونرد على هؤلاء بمقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: «لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وألهمت فيه رشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء». • هل ترى أن المراجعات ستكون عملاً فارقاً في تاريخ الحركة الجهادية، فالبعض يقول إن ما قبل المراجعات سيكون شيئاً مختلفا عما بعدها؟ - ننظر إلى ما كانت عليه الحال قبل مبادرة الجماعة الإسلامية وإلى ما بعدها، فمبادرة الجماعة في هذا الوقت أحدثت ردود فعل عنيفة وصراعات بين الإسلاميين، لكن في النهاية انتصرت المبادرة - وإن كان لي بعض التحفظات على مبادرة الجماعة الإسلامية - فالآن مبادرة الدكتور سيد إمام أعتقد أنه سيمر بنفس المرحلة، الحملات الشديدة على كتابه وقبل اكتمال حلقات الكتاب نرى حملة شديدة ضارية، فمنذ عدة أشهر خرج الدكتور أيمن الظواهري - حفظه الله من كل سوء - وتكلم في أحد الأشرطة سبع دقائق عن الدكتور سيد إمام بما لا يجوز ثم تبعه آخرون، وبعض المواقع الأخرى، وبعض الأخوة المتحفظين على المبادرة داخل السجن يقودون حملة شرسة، لكن مبادرة الدكتور سيد إمام ستنجح ويكون لها شأن وقبول كبيران جدا وستغير أوضاعا كثيرة كان ينبغي لها أن تتغير منذ أزمان بعيدة. • إلى أي مدى سيكون تأثير هذه المراجعات على أفكار «القاعدة» وتوجهاته بشكل عام، خاصة أنك تعرف أن الدكتور سيد إمام كان صديقا ولصيقا بأيمن الظواهري؟ - أي فكر هو وليد البيئة والظروف المحيطة، به وعلى كل قيادة أو جماعة أن تراعي البيئة التي تعيش فيها وتراعي الأزمنة والواقع الذي تعيشه، فكتابات سيد قطب صدرت في ظروف معينة وكان لها القبول، ولم تعد كتاباته لها نفس التأثير، نفس الشيء بالنسبة لكتاب «العمدة في إعداد العدة» وضع في بيئة معينة وللمعسكرات والجهاد في أفغانستان، ولكن بعد تغير الظروف والأحوال والواقعين المحلي والعالمي أصبح من الواجب النظر في هذا الكتاب وتعديله وأن توضع برامج جديدة لهذا الجيل، فكتابات سيد إمام - حفظه الله - جاءت لتسد هذا النقص، وأعتقد أنه سيكون لها تأثير كبير جدا على تنظيم القاعدة، وإن كان ليس في الفترة الحالية لكن في المستقبل القريب سيكون لها أثر كبير جدا، لكن ما أخاف منه أن ينشغل الدكتور سيد إمام بالرد على الشبهات والالتفات إلى هذه الوساوس من جانب بعض الأشخاص، كما حدث من جانب الجماعة الإسلامية، لذا أتمنى ألا يلتفت لهذا الهجوم ويوفر جهده لإخراج كتب جديدة، وأتمنى أن يكون كتابه «ترشيد العمل الجهادي» هو باكورة كتبه في هذه السلسلة، إن شاء الله. • وبالنسبة للحركات العنفية في العالم العربي كالجزائر والسعودية وبعض البلدان، هل ترى أن الكتاب سيترك أثراً عليهم؟ - للأسف هذه حقيقة أن فصائل العمل الإسلامي لديها حساسية شديدة جدا بالنسبة لأي مراجعات، فهم لا يرغبون لأي إنسان من داخلها أو خارجها أن يمس ثوابت تلك الحركات وهذا خطأ كبير، وإلا ما كان الله أنزل في كتابه الكريم آيات عديدة للنقد الذاتي للمسلمين، خاصة بعد موقعتي أحد وحنين، فلو كان مفهوم النقد الذاتي خطأ شرعيا ما كان الله أنزل هذه الآيات، فمعظم الحركات الجهادية في العالم - للأسف - ليس لديها العلم الشرعي الذي يدفعها إلى المراجعة والأخذ بطريق العلم السليم، فهي تسير خلف بعض الرموز العالمية كالدكتور أيمن الظواهري والشيخ أسامة بن لادن، سواء على الحق أو الباطل، فهذه الجماعات سيكون لها رأي مخالف في البداية لرأي الدكتور سيد إمام، لكن كلام الشيخ أسامة بن لادن انتقد أخيرا عمليات القاعدة في العراق، فهو اذن يسير في نفس طريق الشيخ سيد إمام، وعلى الشيخ سيد إمام أن يمضي في مراجعاته وألا تهزه المعارضات لها، ويتذكر قول النبي «صلى الله عليه وسلم» عن الحسن بن علي «ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين»، ففي البداية ستتوقف هذه الجماعات أمام المراجعات، لكنها في المستقبل القريب سيكون هناك وقف لهذه العمليات العشوائية. • علمنا عن وجود عدد من المعارضين للمراجعات من داخل السجن، فما تقييمكم لذلك؟ - هؤلاء الإخوة أنا جلست مع بعضهم، ومنهم قيادات وأعضاء عاديون، وهم رفضوا جميع المبادرات سواء مبادرة الجماعة الإسلامية أو بعض مبادرات الجهاد السابقة، ومن ثم كتاب الدكتور «سيد إمام»، وهم يطلقون على أنفسهم «الثابتون على العهد» ولم يخرجوا لنا شيئاً يقولون لنا فيه ما هي أوجه الخلافات بين ما يفكرون فيه وبين ما يكتبه سيد إمام، فتلك جعجعة وغضب ورفض من أجل رفض، فنحن لا نعرف ماذا يريدون؟ هو موقف عناد وهو موقف نفسي وعصبي بالأساس وليس موقفا فكريا. * البعض يقول إن هذه المبادرة هي صفقة بين الأمن وجماعة الجهاد، فما هو تقديركم لهذه المقولة؟- الدكتور سيد إمام محكوم عليه بالمؤبد، ولم يستفد شيئاً لا هو ولا غيره من الموقعين على الوثيقة، والأمن استخدم كل ما عنده في التسعينيات ولم يعد للأمن عند الاخوة شيء، وكما كانت مبادرة الجماعة الإسلامية بجهد واقتناع ذاتي فالأمر كذلك بالنسبة للدكتور سيد إمام، فهو رأى أن كتبه تستخدم استخداما خاطئا، فأراد أن يزيح عن كاهله هذا العبث والركام فأصدر هذه الوثيقة. • وماذا عمن يقولون - خاصة من التيارات العلمانية - إن المبادرة تكتيك وليست عن قناعة تامة؟ - بعد عشر سنوات من مبادرة الجماعة الإسلامية يؤكد أنها ليست تكتيكاً، والبعض قال وقتها إنها تكتيك، لكن الواقع يؤكد أنها قناعة تامة بوقف العنف، وأريد تأكيد أن الجماعة الإسلامية تختلف عن جماعة الجهاد في أنها جماعة مركزية لها قيادة واحدة وقرار واحد ومنهج واحد، لكن بالنسبة لجماعة الجهاد ليست جماعة بالمعنى المفهوم أو المتعارف عليه، وإنما مجموعات متناثرة لكل مجموعة تصوراتها ورؤاها، فما فعله سيد إمام هو عمل أكبر مما قامت به الجماعة الإسلامية، فهو شخص واحد جمع كل هذه المجموعات خلف مبادرته، فهذا مجهود كبير جدا، سنوات طويلة لم تستطع هذه المجموعات أن تتوحد، عشرات المبادرات ولم تنجح، فالله سبحانه وتعالى سخر الدكتور سيد إمام لتخرج هذه المبادرة ونرجو - إن شاء الله - أن تؤتي ثمارها. • أبو عمر كيف ترى المستقبل بالنسبة لجماعة الجهاد بعد هذا التطور الفكري؟ - نستطيع القول بعد الضربات التي تعرضت لها جماعة الجهاد، خاصة ضربة «تنظيم طلائع الفتح» الذي بذل من أجله الجهد والمال، فإن الجماعة ليس لها أثر على الساحة المصرية، وإنما أثرها في الخارج حيث سيطرت على تنظيم القاعدة، وبعد مبادرة الدكتور سيد إمام أصبح هناك خلخلة تنبأ بها الدكتور أيمن الظواهري، وكان رده على الدكتور سيد إمام وربما نرى في الأيام القادمة حدوث عمليات عشوائية من أجل صرف الناس عن هذه المبادرة، والتأكيد على أن هذه المبادرة ليس لها قبول أو تأثير على تنظيم القاعدة أو الجهاد. * نحن نقصد مستقبل الجماعة السياسي، هل يمكن تحولها من جماعة مقاتلة إلى أشكال أخرى دعوية أو اجتماعية أو سياسية؟ - بالنسبة لجماعة الجهاد أتوقع أن يكون لهم نشاط سياسي، وبعض من خرجوا حديثا بدأ بعد خروجه من المعتقل مباشرة يشارك في الحياة العامة، ونحن نريد في المستقبل أن يوضح لنا الدكتور إمام الموقف من العمل السياسي والعلاقة مع الأحزاب والمجتمع المدني وجميع القوى السياسية. * ماذا تقول للشباب في ظل هذا التجاذب والصراع الحادين بشأن المراجعات؟ - أقول للشباب في مصر والعالم كله ألا يقع في مصيدة الإنترنت، فعشرات الشباب رأيتهم في السجون والمعتقلات جاءوا بسبب «النت» فهو سماء مفتوحة، وأنصح الشباب المسلم ألا يغتر بالأسماء الرنانة وأن يتعلم العلم الشرعي الصحيح من مظانه ومصادره الأصلية، وكلنا لا ننكر فريضة الجهاد ولكن له ضوابط لابد من الالتزام بها حتى لا تراق دماء معصومة.
تحقيقات ودراسات
أبو عمر المصري لـ الجريدة: أخشى أن ينفذ القاعدة عمليات عشوائية صغيرة لإخفاء تأثير مراجعات الدكتور فضل
29-11-2007