لماذا يتم التعدي على الدستور؟ اليوم يصادف الذكرى الخامسة والأربعين على صدوره

نشر في 11-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 11-11-2007 | 00:00

تداول كلمات «حل المجلس» و«تعليق العمل بالدستور» و«تنقيحه»، وإشاعة تصورات جديدة مخالفة للنظام الدستوري، يساهم في زعزعة ثقة المواطن بكون الدستور هو المرجع للحكم.

لم ينته الصراع حول المشاركة الشعبية في الحكم ونمط وشكل تلك المشاركة منذ أول مجلس شعبي اعتمد صيغة الشورى في الكويت عام 1921، فقد كان المبدأ - المشاركة - محل شد وجذب منذ ارهاصات التحرك الاهلي لتحييد الانفراد في الادارة بدءاً من ذلك العام وتباعا ومن خلال صور مختلفة: المجلس البلدي عام 1930 ومجلس المعارف عام 1936 فالمجلس التشريعي عام 1938، ثم المجالس المهنية والنوعية التي جاءت في فترة الخمسينيات، وصولا الى الصيغة الحالية التي بدأت بذورها في العام 1961، وتولد عنها دستور 1962، الشاهد، ان التنازع على الادارة كان ديدن الطرفين (الشعب والحكم) على مر عقود سالفة. ونتج عن هذا التنازع ظواهر عديدة أبرزها نقض العقد السياسي والانفراد بالسلطة في حالات محددة من طرف الحكم، وتشريع قوانين مخالفة لمواد في الدستور في حقب زمنية لاحقة، ومحاولات تنقيح للدستور بشكل صريح ومباشر كما في العام 1980، لكن في كل الاحوال، تولد عن ذلك الصراع المستمر مكاسب شعبية مهمة، وأخرى استفاد منها الحكم، أشهرها على الاطلاق التمسك بالدستور والشرعية زمن الغزو العراقي عام 1990، وهو ما يثبت ان وثيقة الدستور هي المخرج الوحيد من الأزمات.

الحادي عشر من نوفمبر 1962 تاريخ يعني اكثر من معنى سياسي واجتماعي بين الحكم والشعب، الذي مثله آنذاك المجلس التأسيسي، وهو تاريخ تصديق واصدار سمو الأمير الراحل عبدالله السالم للدستور بعد يومين فقط من تقديمه له من دون تعديل او اضافة عليه.

وتاريخ الحادي عشر - يصادف اليوم الأحد - ليمثل الذكرى السادسة والأربعين للعمل بأهم وثيقة سياسية في منطقة الخليج العربي، واذا كان منطق الأمور أن يتم الالتزام بما جاء في الدستور من احكام، فإن منطق الواقع ينبئ بغير ذلك في أحوال كثيرة، وهو ما نريد ان نعبر عنه في سؤال مختصر: لماذا يتم التعدي على الدستور، واغفال وجوده في بعض القضايا، وتعطيله لأكثر من مرة أو محاولة تعديله باتجاه الانتقاص من المكتسبات التي تضمنها؟

ليس أخطر من تعطيل العمل بالدستور كما حدث في مجلسي أعوام 1976 - 1986، اي الانقلاب عليه والانفراد بالسلطة وفك مبدأ الشراكة في الحكم نقول ليس اخطر من التعدي عليه في ظل نفاذه وتنظيمه للحياة السياسية.

وإذا كان التعطيل يفرض امرا واقعا عنوانه الاحتقان، فإن التعدي عليه في ظل سريانه يشكل مرضا خطيرا يستوجب جهودا اكبر لسبب واضح وبسيط، هو ان سريان العمل بالدستور ومخالفة أحكامه في آن، يضفيان جوا ملتبسا، فلا حجة لمن يطالبون بعودة العمل به بعد فترة حل غير دستوري، فيما حجة من يعملون في ظله ويتعدون على احكامه ان وسائل الفصل في دستورية القوانين متاحة، وعلى هذا المنوال فصلت الحكومة او مجلس الامة ذاته قوانين عديدة مخالفة للدستور، نذكر هنا قوانين عدة مثل قانون التجمعات، الذي أبطل مفعوله أخيراً بحكم دستوري، وقانون الجمعيات الذي يطلق سلطة الوزير في اشهار اي جمعية او ناد او رفض ذلك، وقانون انشاء المحاكم الكلية لنظر المنازعات الادارية في مسائل الجنسية والابعاد ودور النشر، والذي يحجب حق الافراد في الوصول الى القضاء للتنازع بشأن تلك المواضيع، وقانون المحكمة الدستورية الذي يحجب حق الافراد في الوصول اليها وقصره على مجلس الامة او الحكومة.

وهناك ايضا قانون الجيش والشرطة ومخالفته لشرط منح الأوسمة من خلال المراسيم وليس الأمر الأميري، وقانون حماية المال العام الذي يعتبر الإهمال غير المتعمد جريمة تعد ٍعلى المال العام، وأخيراً كانت الشبهات التي دارت حول قانون منع عمل النساء ليلا، فبينما لا يفرق الدستور بين المواطنين على اساس الجنس، واقراره حرية اختيار نوع العمل، جاء القانون ليحدد مهنا بعينها تستطيع الأنثى العمل بها استثناءً من القانون!!

اذا، هناك أمثلة لا يمكن حصرها في مقال، وتدل على عدم التقيد بأحكام الدستور، ويرى أهل القانون انها تأتي بطرق مختلفة، الأولى: بالتعمد في التعدي على احكام دستورية واضحة خوفا من توسيع الحريات، والثانية باصدار قوانين يثبت مع التطبيق وجود شبهات دستورية يتم تثبيتها بالممارسة او رفضها بحكم من المحكمة الدستورية.

وفي محاولة لتفسير عدم الالتزام بالدستور، او لماذا «يتعمد» البشر التعدي عليه، خاصة في دول العالم الثالث، يقول د. محمد الفيلي، الخبير الدستوري، في مداخلة سابقة في احدى الندوات، ان «ابرز المخالفات تأتي من السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأن السلطات قليلة العناية بالدستور، فهو لا يمثل لها المرجعية، وهذا من خصائص التخلف السياسي في دول العالم الثالث... وإن عدم ثقة نظم الحكم بقدرتها عل اقناع الناس بمشروعيتها يأتي كسبب مباشر لهذا السلوك»، ويدعم الفيلي مقولته بأمثله واقعية منها رفض الحكومة منح الافراد رخص الصحف قبل الغزو تحت ذريعة شيوع الفوضى الاجتماعية، وهي نظرية توحي بعدم نضج الناس او انهم غير بالغين، كذلك ما يتعلق برفض قضايا الجنسية أمام المحاكم، حيث يرى ان ذلك ايحاء صريح بعد ثقة السلطة بالقضاء والناس معا.

أمام ذلك، وبناءً على ما سبق، كيف تكون المواجهة؟... على ذلك يؤكد الخبير الدستوري د. محمد المقاطع في مداخلاته الثرية السابقة ان السبيل نحو المواجهة يكمن في محورين الاول: ان الأصل في اي قانون صادر يجب ان تتوافر فيه قرينه دستورية، وبالتالي يجب ان يحترم ويطبق وينفذ... وهذا هو المبدأ العام، وثانيا: ان اي قانون غير دستوري يجب ان يكون هاجس السلطة التشريعية من خلال اللجنة المختصة (اللجنة التشريعية والقانونية)، التي لم يسبق ان قامت بجهد من هذا القبيل، وهو حصر القوانين التي تحمل مخالفة او شبهة مخالفة دستورية.

اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والاربعين، لايزال الحديث عن الدستور حديثا حول جوهره، وتستخدم في هذا الحديث مصطلحات غير واضحة المعالم، برغم انها من لغة الدستور كالتعديل والتنقيح من دون رؤية واضحة، فمطالبات تعديل المادة الثانية من الدستور قدمت أكثر من مرة في محاولة دؤوبة لجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، إلا أنها كانت تُرفض على الدوام من سمو الأمير، على اعتبار أن نص المادة الحالية لا يعيق أسلمة القوانين.

كما يجرى حاليا بين فترة وأخرى إشاعة مخارج سياسية مضادة للنظام الدستوري، كحل المجلس حلا غير دستوري، أو الترويج لنظام المجلسين أو تنقيح المادة «4» من الدستور المرتبطة بتوارث الإمارة، واستخدام ذلك كبالونات اختبار، سرعان ما يتم التراجع عن ذلك بنفي مراجع عليا، ويصب ذلك في نهاية الأمر في زعزعة ثقة المواطن بالنظام الدستوري الذي لا يرى أن الزمن يساعد على ترسيخه وتقويته.

أبرز الأحداث البرلمانية والسياسية بعد التحرير

• رفض وزارة الداخلية في مايو 1992 السماح للمعارضة بعقد مؤتمر شعبي، لمناقشة آخر الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والانتخابية.

• أجريت الانتخابات النيابية الكويتية في الخامس من أكتوبر 1992، وقد اتسمت بأهمية خاصة على الصعيدين القطري والقومي، حيث وضع إجراؤها نهاية إيجابية لمطلب سياسي ملح منذ نهاية عام 1989، وأعطى زخماً قوياً لمطالب الإصلاحات السياسية في بلدان الخليج.

• الحكومة قامت باتخاذ عدد من القرارات التي مثلت صدمة للمعارضة ومطالبها الواضحة، وقد كان أهم هذه القرارات تشكيل الوزارة من معظم أعضاء الوزارة السابقة.

• دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد.

• مجلس الأمة يقوم بإلغاء المرسوم الأميري لإنشاء المجلس الوطني، وبذلك أصبح هذا المجلس كأن لم يكن بعد أن تم إلغاؤه دستورياً وتشريعياً.

• أثارت القوى السياسية العديد من القضايا الحساسة مثل المطالبة بمحاسبة المقصرين من المسؤولين في حرب الخليج، وضرورة الفصل بين السلطات، وقد أسفرت نتيجة الانتخابات عن شغل المعارضة لأكثر من ثلثي مقاعد المجلس.

• وافق مجلس الأمة على تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، بشأن الموافقة على 25 مرسوماً صدرت أثناء حل المجلس، لكنه رفض الموافقة على مرسوم يقضي بتعديل بعض أحكام قانون محكمة أمن الدولة الصادرة أثناء نفس الفترة.

• طالب النواب بإحياء القانون رقم 13 لسنة 1963 في شأن التجمعات والمواكب العامة، والذي ألغي بالقانون رقم 65 لسنة 1979، وتبلور ذلك في شكل مشروع قانون تقدم به خمسة نواب بشأن تعديل قانون التجمعات، بما يتناسب مع الواقع الكويتي الجديد.

• شهد عام 1994 استمرار مجلس الأمة في موقفه بشأن المطالبة بإلغاء قانون محاكمة الوزراء الذي صدر عام 1990 أثناء غياب الديموقراطية، وقد استهدف المجلس من المطالبة بإلغاء هذا القانون ضمان محاكمة حقيقية للمتهمين في قضية اختلاسات شركات ناقلات النفط الكويتية، وفي مقدمهم وزير المالية والنفط الأسبق الشيخ علي الخليفة الصباح، بحيث تُجرى المحاكمة وفقاً لقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية العادية، وقد نجح المجلس بالفعل في إلغاء قانون محاكمة الوزراء في 12 يناير 1994.

• من ناحية أخرى، برز دور المجلس في قضية تعديل قانون الجنسية، مما أدى إلى إصدار الحكومة في يناير 1994 تعديلا لقانون الجنسية يسمح للكويتيين المولودين لآباء حصلوا على الجنسية بالتجنّس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية التالية عام 1996، بعد أن كانت هذه المشاركة محصورة بالحاصلين على الجنسية بصورة أصلية الذين لم يتجاوز عددهم في انتخابات 1992 أكثر من %13 من إجمالي الكويتيين (أي نحو 82 ألفاً من أصل 630 ألفاً).

• في مايو من نفس العام 1994 تقدم (39) نائباً في مجلس الأمة باقتراح لتعديل المادة الثانية من الدستور، لتنص على أن (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)، بدلا من (مصدر رئيسي للتشريع)، كما جاء في المادة الثانية من الدستور. لكن هذه المحاولة قوبلت باعتراض أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح عليها. وقد بعثت الحكومة برسالة إلى المجلس أشارت فيها إلى أن تطبيق الشريعة لا يتطلب تعديل الدستور،

• وافق مجلس الأمة بالإجماع على مشروع قانون لإنشاء مناطق حرة للتجارة في الكويت تتمتع بالإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية، وبحرية دخول البضائع وخروجها من خضوع المنطقة عموماً للقوانين الكويتية 1994.

• إصدار قانون المديونيات الذي تم تعديله بعدئذ في عام 1998.

• وافق المجلس على قوانين مهمة تتعلق بالإسكان واستقلالية القضاء، كما نظر في قوانين وإجراءات للتقاعد المبكر، بالإضافة إلى دور المجلس في إصدار تقرير حول تقصّي الحقائق الناجمة عن الغزو العراقي، وإنشاء لجنة دائمة للدفاع عن المال العام ولجنة للدفاع عن حقوق الإنسان. وهي إنجازات كان من الصعب على أي مجلس أن ينجح في تحقيقها في ظل الظروف التى أحاطت به عام 1996.

• وافق المجلس في ديسمبر 1995 على انضمام الكويت إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ثم وافق في قرار لاحق في فبراير 1996 على انضمامها إلى العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

• من ناحية أخرى، قرر مجلس الأمة إلغاء محكمة أمن الدولة وإحالة جميع القضايا إلى محكمة الجنايات، بدلاً من إحالتها إليها.

• استمرت المواجهة بين المجلس والحكومة في مجلس 1996. واتخذت شكلاً حاداً عندما قدمت الحكومة اقتراحاً بتعديل قانون المديونيات، وقد شهد هذا الدور إصدار قانون يجرم الانتخابات الفرعية، وناقش قضايا التوظيف والتأمين الصحي وإنشاء لجنة تحقيق خاصة بشأن تفشي المخدرات.

• وافق مجلس الأمة في أبريل 1996 على تعديل قانون القضاء الكويتي، وينظم التعديل تعيين ونقل ومحاسبة أو فصل كل من القضاة الكويتيين وغيرهم، ويلزم وزير العدل بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للقضاء لتعيين النائب العام وأعضاء النيابة العامة، ويعدل طريقة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وآلية التصويت داخله وموازنته المستقلة؛ كذلك تم تعديل قانون الجزاء بحيث يتم تجريم الموظفين العموميين الذين لا يحترمون أحكام القضاء.

• استقالة الحكومة في 16مارس 1998 وإعادة تشكيلها في 22 مارس 1998.

• حل مجلس الأمة في 4 مايو 1999.

• أجريت الانتخابات في 3 يوليو 1999 .

• اقرار الحق السياسي للمرأة في مايو 2005.

• وافق المجلس في يوليو 2006 على مشروع القانون بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، وتقليصها إلى خمس دوائر بدلا من 25 دائرة.

السبيعي: التعدّي على الدستور جريمة

قال المحامي الحميدي بدر السبيعي أمين سر جمعية المحامين الكويتية، إن التعدي على الدستور يعتبر جريمة كبرى، وكذلك عدم تنفيذ نصوص الدستور أيضاً يعتبر جريمة كبرى، إلا أنه يلاحظ أن هناك بعض المواد في بعض القوانين تتعارض مع نصوص الدستور وروحه، والأمثلة كثيرة، منها القيود المفروضة على المواطنين ومنعهم من اللجوء إلى المحكمة الدستورية مباشرة، وكذلك بعض نصوص قانون المطبوعات الحالي، وبعض نصوص مشروع قانون التجمعات المزمع تقديمه من قبل الحكومة، وكذلك النص الوارد في قانون الانتخابات الذي يمنع العسكريين ويحرمهم من حق الانتخابات والتصويت، كذلك حرمان ومنع العسكريين من اللجوء إلى المحكمة الإدارية وعدم اختصاصها بالنظر في المسائل الإدارية المتعلقة بعملهم العسكري.

ويمكن القول إن مجلس الأمة والحكومة شريكان في هذه التجاوزات وغيرها على الدستور، لأن حماية الدستور وصونه وتعزيز الديموقراطية تقع على عاتق المجلسين معاً.

ويفترض أيضاً بالجمعيات المهنية والتجمعات السياسية والكتل والناشطين، أن يقوموا بدورهم تجاه حماية الدستور كل من خلال موقعه.

back to top