Ad

لم تُقصِّر المملكة العربية السعودية مع سورية ولا في أي يوم من الأيام، فلماذا إذن تُواجَهُ بكل هذا النكران؟ ولماذا يتم التعامل معها وكأنها ليست واحدة من أهم ركائز العمل العربي المشترك، وأن غيابها عن أي قمة يعني أن هناك خللاً كبيراً في العلاقات بين الذين من المفترض أنهم أشقاء وأن كبيرهم له التقدير والاحترام؟!

قمة دمشق التي ستنتهي اليوم نهاية مأساوية ستبقى تشكل نقطة سوداء في سجل العمل العربي المشترك والقمم العربية، فهي بدل أن تكون قمة لتضميد الجراح والتصالح ولَـمِّ الشمل والتضامن تحولت حتى قبل أن تنعقْد إلى عامل فرقة وتشتيت ورفع حرارة الاستقطابات السابقة التي كان بالإمكان تهدئتها على الأقل لو أن التحضير لها لم يتخذ طابع الاستفزاز والمزايدات واستهداف كرامة قادة عرب لا يستطيع حتى جاحد إنكار الأدوار القومية المهمة التي بقيت تلعبها بلدانهم على مدى التاريخ المعاصر كله.

لنتحدث بصراحة... فعندما توجه دمشق الدعوة لزعيم بمكانة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبمكانة بلده، المملكة العربية السعودية، بواسطة رئيس الهلال الأحمر السوري الذي يحمل لقب وزير فإنه عليها ألاَّ تتوقع تمثيلاً سعودياً في هذه القمة إلاَّ على مستوى ممرضي «تَمرْجي» في إحدى العيادات الحكومية، وليس حتى على مستوى المندوب لدى الجامعة العربية.

لماذا هذا الاستهتار... وهذا الاستفزاز وهذه «الإهانة»؟! حتى لو أن لدمشق على المملكة العربية السعودية ما هو أكثر من العتب فإنه كان عليها، من أجل أن تكون القمة التي ستستضيفها بحجم دور سورية المفترض في المنطقة وبحجم تاريخ العاصمة الأموية، ومن أجل أن تكون قمة للتضامن وإعادة لـمِّ الشمل، أن تتصرف تصرفاً لائقاً وأن يذهب حتى الرئيس السوري نفسه إلى الرياض لـ«يأخذ بخاطر» أشقائه وبخاطر زعيم عربي كبير هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز... فهذا ليس عيباً، وهذه هي «شيم الرجال» خصوصا بين الإخوة، حيث يجب أن تكون الصداقات دائمة والعداوات عابرة.

لم تفعل دمشق هذا وهي كانت تركت فاروق الشرع ليمارس ما كان يمارسه عبدالحليم خدام عندما كان واجهة نظام بلاده غير المريحة، وليواصل شتم القادة والزعماء، وليخاطبهم بطرق غير لائقة وغير جائزة بين الإخوة والأشقاء، وهنا فإن الكل يذكر ذلك التصريح العنيف الذي أطلقه نائب الرئيس السوري، والذي هدد فيه بـ «أن الندم سيكون في انتظار كل من لن يحضر هذه القمة».

هناك خلاف حول لبنان وحول فلسطين وحول العراق وحول علاقات دمشق بإيران، على حساب علاقاتها العربية، وكل هذا كان بالإمكان تطويقه وتجميده لو أن دمشق لم تتصرف مع المملكة العربية السعودية بالطريقة التي تصرفت بها، ولو أنها انطلقت عشية هذه القمة وبينما كانت تحضر لها من منطلق الحرص على رأب الصدع، ولـمِّ الشمل وتغليب الرئيسي على الثانوي، وترك أبواب العودة إلى التفاهم مفتوحة على مصاريعها، ولو في الحدود الدنيا.

لم تُقصِّر المملكة العربية السعودية مع سورية ولا في أي يوم من الأيام سواء في عهد الابن أو في عهد الأب، أو في العهود السابقة كلها، حتى عهد شكري القوتلي فلماذا إذاً تواجَهُ بكل هذا النكران؟ ولماذا يتم التعامل معها وكأنها ليست واحدة من أهم ركائز العمل العربي المشترك، وأن غيابها عن أي قمة وأي لقاء للعرب وعلى أي مستوى يعني أن هناك خللاً كبيراً في العلاقات بين الذين من المفترض أنهم أشقاء وأن كبيرهم له التقدير والاحترام؟!

إن هذا هو أساس المشكلة، ولذلك فإن المقدمات الخاطئة أعطت نتائج خاطئة، وكانت النتيجة أن هذه القمة جاءت على هذا النحو الذي جاءت عليه، وأن عدداً من الدول العربية الرئيسة والمهمة، لم تتمثل فيها على المستوى المفترض والسبب هو أن بعض الزعماء والقادة العرب شعروا أن دمشق كانت تريد هذا الفرز بين مقاومين وممانعين تمثلهم هي وإيران، وبين مفرِّطين وملحقين بأميركا هم الذين غابوا عن هذه القمة الدمشقية التي إن كان هناك من أسعدته شكلاً ومضموناً فإنه طهران التي تسعى إلى تغيير هوية هذه المنطقة واستبدالها بهوية أخرى هي هوية «الولي الفقيه»!!

* كاتب وسياسي أردني