عشائر العراق وأميركا اتفاق مصالح... أم حوار الطرشان؟!

نشر في 15-07-2007
آخر تحديث 15-07-2007 | 00:00
 علـي بلوط سأترك الحديث الى واحد من رؤساء عشائر منطقة «الأنبار» في العراق، من الذين حضروا الاجتماع الأول، في وقت لم يمر عليه الزمن، مع القيادة العسكرية الأميركية العاملة هناك. تلك الاجتماعات أدت في النتيجة إلى وضع أرضية وصيغة غير مكتملة للتعاون بين الفريقين. هذا الحديث أكده أكثر من مصدر عراقي.

قال شيخ العشيرة (نمتنع عن ذكر اسمه وأسماء الآخرين حفاظاً على المصدر) لعدد من زملائه وأقاربه الشيوخ: «في الزمان والمكان المحددين للقاء في ناحية من منطقة الرمادي، انتظرنا أكثر من ساعة حضور الوفد العسكري الأميركي. غرفة الاجتماع كانت بسيطة وخالية من آلات تكييف الهواء، ولعل الضرورات الأمنية كانت وراء اختيار هذا المكان. بعد انتظار حوالي ساعة، دخل علينا ثلاثة ضباط أميركيين يرتدون زيهم القتالي. واحد منهم جلس على رأس الطاولة، فعرفنا أنه الأكبر رتبة، وأنه المكلف بمهمة إدارة الحوار. أخرج مسدسه الذي كان متدلياً من وسطه بشكل ظاهر ثم وضعه جانباً. رفيقاه لم يفعلا ذلك. ثم نطق بكلمة الترحيب «الله بالخير» بلهجة عراقية غير سليمة. وبعد أن أمضى عدة ثوان في تفحص وجوهنا بنظرات لا تخلو من القساوة، في محاولة لفرض سيطرته على جو الاجتماع، حسب اعتقادي واعتقاد الآخرين ممن حضروا الاجتماع، قدم لنا رفيقيه بالاسم الكامل مع الرتبة العسكرية، ثم قدم نفسه بالاسم وبالرتبة العسكرية أيضاً، مضيفاً انه، يمثل الجنرال بترايوس، قائد القوات الأميركية في العراق.

بدأ الضابط حديثه بأن المكان آمن مئة في المئة، على الرغم من عدم وجود أي حركة خارج قاعة الاجتماع. ثم قال: لا لزوم لتقديم أنفسكم، فأنا أعرفها كما أعرف مراكزكم المهمة في عشائركم. ما أطلبه هو الاختصار بالحديث، والدخول في صلب الموضوع رأساً، كما سأفعل انا الآن. ليس لدينا الكثير من الوقت لإضاعته لا هنا (في الغرفة)، ولا هناك (في المناطق الساخنة من العراق). إما أن نتفاهم ونباشر تنفيذ ما سنتفاهم عليه وإما لا. وكلي أمل وثقة بأننا سنتفاهم وسنصل إلى نتائج إيجابية. (كان الضابط يتحدث بهدوء ليعطي المجال لمترجمه العراقي بنقل كل حرف وكل كلمة. وكان بين رؤساء العشائر من يجيد الانكليزية بطلاقة).

«سأقدم لكم صورتين واضحتين وبلا رتوش (تابع الضابط)، الأولى أن الجيش الأميركي جاء الى العراق ليخرج منه منتصراً. ونحن هنا لاستعجال هذا الخروج. واعتقاد العكس هو الخطأ الفادح. مرت أربع سنوات ونحن صابرون ولم نستخدم كل أسلحتنا بعد. لكن صبرنا بدأ ينفد. نريد نتائج سريعة وحاسمة. إننا في سباق مع الزمن ولن نسمح لهذا الوقت أن يسبقنا».

اعتدل الضابط في جلسته... قال الشيخ «لكنه لم يتخل عن توزيع نظراته القاسية على الحضور وكأنه آلة تصوير سينمائية. لعله كان يريد، مرة أخرى، قراءة ردود فعل اقواله على وجوهنا».

«ربما تكون الصورة الأولى في تفاصيلها قاسية (تابع الضابط)، لكنها ليست بقساوة الحرب التي نخوضها منذ اربع سنوات لاستكمال تحرير بلدكم. وارجو أن تنصتوا جيداً الى ما سأقوله الآن. باستطاعتنا اليوم، أو بالأحرى في هذه الساعة بالذات، أن ندمر مدنكم وقراكم كلها من دون استثناء، وأن نقذف بكم جميعاً إلى قلب الصحراء، وأن ننصب لكم هناك خياماً، تحيط بها دباباتنا وطائراتنا من كل جهة. باختصار، بمقدورنا أن نعيدكم الى عصر البداوة الكاملة. وفي حال حدوث ذلك لن نكون قساة كغيرنا... سنزودكم بالمتطلبات الضرورية للحياة وسط الصحراء... ماء وطعام وملابس وشاي. وإذا حصل ذلك

،لا سمح الله، فهو ليس عملاً انتقامياً لكم ولأبناء عشائركم. إنها الضرورات العسكرية. إنها ضرورات الفوز في سباقنا مع الزمن في بلادكم. ولا أذيع عليكم سراً إذا قلت إن المطلوب من قيادتنا تقديم نتائج إيجابية على الأرض قبل انتهاء شهر أغسطس المقبل. تلك هي الصورة السلبية بخطوطها العريضة في حال عدم تعاونكم».

لزم الضابط الاميركي الصمت قليلاً (تابع الشيخ)، جال خلالها ببصره مرة جديدة على وجوهنا لقراءة ردود فعل كلامه قبل أن يستطرد: «هذه هي الأنباء السيئة. لكن هناك في المقابل أنباء جيدة جداً، واحد: نريد تعاونكم في تأسيس جيش قتالي من أبناء عشائركم تكون مهمته الأولى ضبط الأمن والاستقرار في مناطقكم. وهذا يتطلب القضاء على خلايا تنظيم (القاعدة) وخلايا المخربين والإرهابيين واللصوص من كل الفئات والأجناس والاحزاب. مقابل ذلك سنقدم كل ما تحتاجون إليه... تدريب، وسلاح، وحماية، ومال، ونفوذ، ومراكز رئيسية في دولة العراق الجديد. إذا كان لديكم أبناء أو أقارب معتقلون في سجوننا، أو في سجون الحكومة، سنسعى إلى إطلاق سراحهم فوراً. بل أكثر من ذلك سننقلهم فوراً من مراكز اعتقالهم إلى مراكز التدريب. سنعطيهم رواتب شهرية توازي مرة ونصف المرة من رواتب المتطوعين العراقيين في وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها الحكومة. (بلغة الأرقام، فإن المتطوع العادي ينال راتباً يتراوح بين 600 ألف دينار إلى 750 الفاً. أما المتطوعون فإن رواتبهم تبدأ بمليون دينار لتصل الى حدود المليون ونصف المليون شهرياً. يضاف إلى ذلك توزيع سيارات مجانية على الفئة التي تثبت جدارتها في القيام بمهماتها).

«هناك نقطة أخرى مهمة جداً، (تابع الضابط). لن نتدخل في إدارة شؤونكم العشائرية. نريد المحافظة على تقاليدكم الموروثة، بل وحمايتها. إذا اختلفت عشيرة مع أخرى، فهذا شأنها ويجب أن تحل المشكلة حسب تقاليدكم. نحن نتدخل عندما يتحول الخلاف إلى استخدام للسلاح، لا لننصر عشيرة على أخرى، بل لفض الاشتباك المسلح. إن السلاح يجب أن يوجه إلى صدور أعدائكم الذين هم أعداؤنا بصرف النظر عما إذا كان هؤلاء شيعة أم سنة أم اكرادا. نقطة مهمة أخرى: إذا نجحت التجربة في مناطقكم (الأنبار)، خلال الفترة الوجيزة التي حددناها، والتي لا تتجاوز الأسابيع، عليكم أن تتوقعوا استلام أمن المنطقة الخضراء، (وهي المنطقة الحصينة في قلب بغداد حيث توجد مباني الحكومة والسفارة الأميركية وقيادات الجيش الأميركي والبرلمان العراقي). إن هذه المنطقة، كما تعرفون، تمثل السلطة والنفوذ والمال. إن المفتاح الرئيسي في نجاح أو فشل هذه الخطة، في حال موافقتكم على التعاون، هو الوقت. نحن مستعجلون. تنتظرنا مهام أخرى خارج بلدكم لا تقل أهمية عن مهماتنا هنا. ولعل هناك ارتباطاً ما بين هذه المهمات هنا والمهمات هناك».

قال شيخ العشيرة الذي حضر هذا الاجتماع، ونقل تفاصيله الى مجموعة مميزة من أبناء عشيرته، إن الضابط الأميركي أنهى كلامه بقوله: اترككم الآن لتفكروا وتختاروا. الكرة هي الآن في ملعبكم. وآمل أن يقع اختياركم على الأخبار الجيدة لا السيئة.

* * * *

استناداَ إلى أكثر من مصدر عراقي، بالاستطاعة التأكيد أن حوالي ثمانين في المئة من شيوخ عشائر الأنبار اختاروا «الجزرة» وتركوا «العصا» الآن على الأقل. الأسباب عديدة لعل أهمها انه ظهر بوضوح «صدق» النوايا الأميركية بنقل البندقية من كتف حلفائهم القدامى (الشيعة المتعاونون مع ايران) إلى كتف أصدقائهم الجدد الذين يمثلون الخط الوطني العربي من شيعة وسنة وربما أكراد. يضاف إلى ذلك أن الرسالة التي نقلها الضابط الأميركي جدية، لجهة الأخبار السيئة والعودة إلى حياة البداوة، لذلك فإن ممارسات العشائر الإيجابية بدأت تظهر على أكثر من سطح في الأنبار وفي غيرها من المناطق.

كذلك يمكن القول إن رؤساء العشائر، أو غالبيتهم على الأقل، لم تعط العرض الأميركي صك «البراءة الكاملة»، لكن للظروف أحكامها، كما ذكر أحد الشيوخ. أيضاً، فإن القيادة الأميركية لم تستبعد، بصورة كاملة، إمكان تحول السلاح الذي عرضته واشنطن على العشائر، إلى صدور الجنود الأميركيين. لكن، أيضاً وأيضاً، للظروف الأميركية أحكامها وضروراتها... ومقامرتها».

ولعل الغزل الأميركي للعشائر السنية والشيعية غير المرتبطة بإيران، هو واحد من «الأسلحة السرية» التي يعتمد عليها الجنرال بترايوس لذكرها في تقريره عن الوضع العسكري في العراق في سبتمبر المقبل. هذا التقرير الذي ينتظره الرئيس بوش والكونغرس والشعب الأميركي بفارغ الصبر.

كاتب لبناني

back to top