على مقربة من الموصل كانت تقوم مدينة نينوى القديمة، وفي جنوب موقعها يوجد تل كبير تقع عليه قرية نينوى ويسمى هذا التل باسم تل توبة، وعلى سفحه الغربي يقع جامع النبي يونس.

Ad

فبعد افتتاح المسلمين للموصل صار لتل توبة حرمة لديهم لأن أهل نينوى وقفوا عليه وتابوا إلى الله تعالى مما كانوا فيه من الظلم والضلال فقبل الله توبتهم وكشف عنهم العذاب. وورد في السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى الطائف وآذاه أهلها لجأ إلى حائط لعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة فلما رأياه دعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس فقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب واذهب به إلى ذلك الرجل. فسأله عليه الصلاة والسلام من أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك؟ قال نصراني وأنا رجل من أهل نينوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى. فقال له عداس وما يدريك من يونس بن متى، فقال عليه السلام: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي.

وقد شيّد المسلمون عقب افتتاح الموصل مسجداً لهم فوق الحصن الغربي للمدينة وهو الجامع العتيق ثم شيدوا مسجداً آخر فوق تل توبة على أنقاض معبد مجوسي قديم في الجهة الغربية من التل وجرت أعمال الترميم والتجديد في هذا الجامع الذي صار يعرف بجامع النبي يونس.

وقد اشتهر الجامع كمأوى للزهاد والنساك منذ القرن الرابع الهجري حسبما يستفاد من رواية الجغرافي المسعودي عن نينوى القديمة، وقد عرف الجامع خلال العصر العباسي باسم مسجد التوبة وكان الناس يخرجون إليه للصلاة فيه والتبرك كل ليلة وذلك لشهرة الموضع بإجابة الدعاء. ولما قام الحمدانيون أو بالتحديد جميلة ابنة ناصر الدولة الحمداني بإعادة بناء الجامع في أواخر القرن الرابع الهجري وأوقفت عليه الأوقاف الجزيلة صار يعرف باسم جامع يونس. وجرت توسيعات في هذا المسجد على مر العصور حتى صار يضم دوراً وسقايات ومطاهر وصار به محل مقدس وهو المكان الذي وقف به النبي يونس للدعاء وكان ينسدل على هذا المكان ستر وينغلق عليه باب مرصع وقد زاره الرحالة الأندلسي ابن جبير وبات به ليلة الجمعة السادس والعشرين من صفر سنة 580هـ (1184م) وسجل وصفاً كاملاً لوحداته المعمارية.

وفي تطور مثير حدث في نهاية القرن الثامن الهجري أن أصبح بالجامع مشهد لنبي الله يونس ويقال أن الذي أمر ببناء قبة فوق هذا المشهد وتجديد الجامع هو الغازي الكبير تيمور لنك وتولى وزيره جلال الدين إبراهيم الحنتن إنفاذ ذلك الأمر.

ويتألف جامع النبي يونس حالياً من قسمين يفصل بينهما طريق عرضه ستة أمتار، الأول منهما هو بيت الوضوء وهو بناء مربع الشكل يقع في الجزء الغربي من التل وتحيط بفنائه أروقة من الجهات الأربع وفي الزاوية الغربية من بيت الوضوء ساقية (ناعورة) كانوا يستقون منها ماء الوضوء. أما القسم الثاني فبه المصلى والحضرة وهو أيضاً مربع الشكل وبوسطه صحن مكشوف. ويجد الداخل إليه من الباب الغربي على اليسار مدرسة وغرفة المعيد وغرفة المقيم (الكليدار) وأمامها أروقة للصلاة ويقابلها في الجهة الجنوبية غرف أمامها أروقة أيضاً وهى معدة للزوار الذين يقيمون لبعض الوقت في الجامع.

ويتصل بفناء المسجد فناء آخر في الجهة الشمالية يتم الوصول إليه عبر باب، وكان يسمى فناء المطبخ وذلك لأنه كانت تطبخ الأطعمة للتوزيع على الفقراء والمحتاجين بعد صلاة العصر من كل يوم.

ولجامع النبي يونس مئذنة شيدت بالحجر الأسود في عام 1341هـ وهى على غرار المآذن العثمانية. وكان يصل بين القسمين سرداب تحت الأرض ثم أغلق أثناء عمل الطريق العام في سنة 1952.