Ad

الغريب أنه لا أحد تحمل مسؤولية ولو جزئية لانحراف شباب خلية «أسود الجزيرة»، بل العكس في بعض الأحيان نجد أن الأب الروحي للجماعة الذي أضيف أخيراً رسمياً إلى قائمة الإرهابيين الدوليين يحاول أن يجعل منهم أبطالاً مظلومين، فهم برأيه مجرد أطفال يستكشفون العالم ويجربون الجهاد في أفغانستان والعراق!

في الأسبوع الماضي تطرقت إلى حلقة «صناعة الموت» التي عرضت على قناة «العربية» يوم الجمعة 1 فبراير 2007 حول مواجهات الإرهاب في الكويت وتحديداً حول أحداث يناير 2005 في محاصرة أفراد من خلية أسود الجزيرة والقبض عليهم. وفي الجزء الأول تطرقت إلى جوانب حقوق الإنسان التي تم بحثها والتطرق إليها في الحلقة، وفي هذا الجزء سأتطرق إلى جانب أقل وضوحاً فيها ألا وهو المهنية وأخلاق المهنة.

تم في الحلقة مقابلة أهالي وأصدقاء ومدرسي و«أمراء» ومحامي المتهمين بالانتماء إلى أسود الجزيرة، والغريب أنه لا أحد من هؤلاء تحمل مسؤولية ولو جزئية لانحراف هؤلاء الشباب، بل العكس في بعض الأحيان نجد أن الأب الروحي للجماعة الذي أضيف أخيراً رسمياً إلى قائمة الإرهابيين الدوليين يحاول أن يجعل منهم أبطالاً مظلومين، فهم برأيه مجرد أطفال يستكشفون العالم ويجربون الجهاد في أفغانستان والعراق! أما المحامي أسامة مناور فهو يصرح بشرفه بمعرفة وصداقة خالد الدوسري الذي يعتقد أنه قيادي المجموعة ومازال هاربا.

وربما يكون تحمل مسؤولية انحراف تعليم وتربية هؤلاء الشباب عملية صعبة وتحتاج إلى درجة من الوعي والصدق مع النفس لم تتوافر مع من تمت مقابلتهم، ولكن المؤسف أن أغلب من تمت مقابلتهم نقصتهم أساسيات آداب التعامل المهني في مجالات عملهم و عطاءاتهم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ادعى أسامة مناور أحد المحامين أنه غير ملزم بالتبليغ عن مكان اختباء خالد الدوسري، واعتبر ذلك من حقه كمحامٍ عن المتهم. وبمراجعة آداب العمل القانوني في الدول المتحضرة لا يوجد ما يدعم هذا الادعاء، فالأصل هو حرمة التستر على الجريمة والمجرمين وواجب منع المزيد من الجرائم، والله وحده يعلم كم من الجرائم ترتكبها أو تخطط لها الجماعة الآن في الكويت والعراق. فهل يتحمل السيد المحامي مسؤولية ذلك؟

من ناحية أخرى يصرح النائب وليد الطبطبائي رئيس لجنة حقوق الإنسان آنذاك بأن الدفاع عن حقوق المعتقلين بشكل صريح كان صعباً لعدم «شعبية» قضيتهم وحكم المجتمع عليهم مسبقاً. وهنا مثال واضح على إشكالية الجمع بين العمل السياسي وحقوق الإنسان، فمعركة حقوق الإنسان كما ذكرت في الجزء الأول واحدة لا تتغير بالموقف السياسي أو الاجتماعي أو الديني من صاحب الحق، أما في السياسة فإن المصالح الانتخابية تحد من «شجاعة» البعض بالدفاع عن حقوق المظلومين.

أما مدرسو المعهد الديني في الفحيحيل فهم مثال شيق لأسباب تدهور العملية التربوية في الكويت، فإن كان هؤلاء هم المسؤولون عن النشء فالله يكون بعون النشء والمجتمع، فقد صرح أحدهم بأنهم لم يلاحظوا أي أفكار متطرفة لدى المتهمين في أثناء دراستهم في المعهد، فهم يبقون على اطلاع بتفاصيل حياة الطلاب ويلاحقون من يظهر منه توجه إرهابي ليتعرفوا على كامل تحركاته وعلاقاته، ورغم حسن النية في هذا التصريح فإنه مثال صارخ على ضياع الحدود بين الجائز وغير الجائز في ما يخص آداب المهنة وحدودها. أما الآخرون فلم يستطيعوا إخفاء تعاطفهم من أفكار المتهمين متناسين دورهم كمعلمين وتربويين، ولم يعتذر أي منهم أو يتحمل أي جزء من مسؤولية ما آل إليه هؤلاء الشباب المغرر بهم.

الإرهاب ظاهرة اجتماعية وليست فردية، وما لم يتحمل المجتمع مسؤولية هذه الظاهرة فلن يبدأ علاجها، وما لم يتوافر في المجتمع العقلاء والمثقفون والمهنيون فلن يتم العلاج.