ليست مبالغة أن يوصف كتاب «ترشيد العمل الجهادي» بأنه يصنع مستقبلاً جديداً للمنطقة وللعالم، وليس من قبيل التزيد التأكيد على أن تاريخ الحركات الإسلامية ـ وهى الظاهرة السياسية الأهم عربياً منذ ثلاثة عقود ـ سينقسم إلى مرحلتين: ما بعد هذه الوثيقة وما قبلها.

Ad

قبل الوثيقة، كان سيد إمام حاضراً بقوة في المشهد السياسي العربي حتى وإن اختفى في ظلال الكهوف البعيدة، كان «أميراً» على آلاف من أعضاء تنظيم «الجهاد» يتلقى البيعة باسمه الحركي «دكتور فضل» دون أن يعرف معظمهم هويته الحقيقية، وكان فقيهاً للتنظيم يكتب باسم آخر هو «عبدالقادر بن عبدالعزيز» سطوراً ملغومة تنفجر في أماكن شتى من العالم قنابل وسيارات مفخخة.

وبعد الوثيقة يبقى إمام أكثر حضوراً في زنزانته المغلقة بأحد السجون المصرية، يكتب من ذاكرة سعت آلاف الكتب التراثية مراجعاً أفكاره السابقة ومنتقداً بحسم أولئك الذين استخدموا كتبه لتبرير استهداف الأبرياء.

لم يترك دكتور فضل مخرجاً لهم.. حاصرهم فكرياً حتى لم يبق لهم إلا «التوبة عن الإرهاب» أو الاستمرار في طريقهم مطاردين بكلماته الصريحة التي تمزق ضمائرهم، وتنزع عنهم ما تخيلوه غطاء فقهياً.

جميعهم خرجوا من عباءته، حتى «رفيق العمر» أيمن الظواهري، والذي شاركه تأسيس أول خلية للتنظيم في حي المعادي بالقاهرة عقب نكسة العام 1967، لم يكن في الحقيقة سوى أحد التلاميذ الذين تعلموا من أفكاره وذهبوا بها بعيداً.

لذا لم يكن قرار «الجريدة» نشر الكتاب مجرد بحث عن سبق صحافي نتيه به خاصة ونحن نعلم أن صحفاً عريقة سعت بكل ما تملك للحصول على حقوق النشر وحاولت الاتفاق مع المؤلف عبر وسطاء، بينهم محامون وقادة أصوليون، وإنما جاء القرار استجابة لإحساس بمسؤولية تجاه الدين والوطن وهي رؤية تعتبر أن إطلاق صحيفة هو خطوة تنويرية في المجتمع لا تقل أهمية عن تأسيس جامعة.

ننشر مراجعة تنظيم «الجهاد» التي كتبها سيد إمام الشريف مع إدراكنا مقدار العمق في الكتاب والذي يستلزم من القارئ أناة وفطنة داعين كل المهتمين إلى الاشتباك مع أفكار الكاتب قبولاً ورفضاً ونقداً في ملف صحافي ضخم سيصبح بدوره مرجعاً في هذا الموضوع الشائك.