هل نطفئ الأضواء؟

نشر في 15-04-2008
آخر تحديث 15-04-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت ما إن يتطرق بنا الحديث إلى مسألة تحويل كل شيء إلى «الأخضر»، يبدو الأمر وكأننا فقدنا كل الصلة بالمنطق السليم. ولولا العواقب الخطيرة التي قد تترتب على فشلنا في التفكير بوضوح لكان بوسعنا أن نعتبر الأمر مسلياً.

ولنتأمل هنا حملة «إطفاء الأضواء» الأخيرة التي كان من المفترض أن تشجع العالم على الاهتمام بالمشاكل المرتبطة بتغير المناخ، وذلك بحث المواطنين في سبع وعشرين مدينة كبرى على إطفاء أضوائهم لمدة ساعة. وبسبب موافقة عدد كبير من الشركات والمدن على المشاركة في هذه الحملة، وبعد أن أعلنت مملكة الدنمارك ومملكة السويد عن إطفاء الأضواء في قصورهما العديدة، سارع «الصندوق العالمي للحياة البرية» إلى اعتبار الأمر نجاحاً مذهلاً. وراحت الصحف في أنحاء العالم المختلفة تنشر المقالات المبتهجة عن احتفالات أنصار البيئة مع انطفاء الأضواء في أرجاء العالم كافة.

ويبدو أن أحداً لم يرغب في إفساد الحفل بالإشارة إلى أن ذلك الحدث كان عقيماً وعديم الجدوى، أو أنه سلط الضوء على تشبيه رهيب، أو أنه كان سبباً في زيادة التلوث في الإجمال.

كانت الصحف الدنماركية- في البلد الذي كان موطناً لقصة ملابس الإمبراطور الجديدة- قد اقتبست بكل سعادة تصريح «الصندوق العالمي للحياة البرية» فيما يتصل بالنجاح الساحق الذي حققه ذلك الحدث. إلا أن إجمالي الادخار في استهلاك الطاقة (على افتراض أن الناس لم يستهلكوا المزيد من الطاقة فيما بعد للتعويض عن الوقت الضائع) لم يتجاوز العشرة أطنان من ثاني أكسيد الكربون- أي ما يعادل مقدار الانبعاثات الغازية التي يتسبب في إطلاقها مواطن دنماركي واحد لمدة عام كامل. وإذا ما قسنا حجم التأثير الناتج عن تغير المناخ، والذي نجحنا في تجنبه بذلك الحدث في المستقبل غير المحدد، فإن إجمال الجهود التي بذلتها الملكة، والعديد من الشركات، ومباني ومؤسسات الحكومة في كوبنهاغن والمدن الأخرى لا يتجاوز عائدها العشرين دولاراً.

تُرى هل تكون مثل هذه المبادرات العقيمة الوسيلة إلى تأمين مستقبل أكثرا اخضراراً؟ وما هو نوع الرسالة التي بثتها مبادرة إطفاء الأضواء؟

كما يشير بعض المراقبين المحافظين، يبدو أن حركات حماية البيئة قد تحولت إلى قوى سوداء، بالفعل وليس مجازاً. الحقيقة أن حث الناس على الجلوس في الظلام ربما يجعلنا ندرك مدى صعوبة إقناعنا بالتخلي عن المزايا التي يوفرها الوقود الأحفوري في أي وقت في المستقبل.

المثير للفضول أن أحداً لم يقترح أن حملة «إطفاء الأضواء» لابد أن تعني أيضاً التوقف عن استخدام مكيفات الهواء، أو الهواتف، أو الإنترنت، أو مشاهدة الأفلام، أو تناول الطعام الساخن أو القهوة الدافئة، أو المشروبات الباردة- ناهيك عن الافتقار إلى الأمن نتيجة لانطفاء الأضواء في الشوارع وتوقف إشارات المرور عن العمل. ولربما كان حشد التأييد لهذه الحملة أكثر صعوبة لو كان على الدنماركيين أيضاً التوقف عن استخدام أجهزة التدفئة.

من عجيب المفارقات هنا أن حملة «إطفاء الأضواء» تعني أيضاً قدراً أعظم من عدم الكفاءة في استخدام الطاقة وارتفاعاً كبيراً في مستويات تلوث الهواء. إذ إن أغلب الناس حول العالم، حين طُـلِب منهم أن يطفئوا أضواءهم الكهربائية، استعاضوا عنها بأضواء الشموع. وقد تبث الشموع جواً من الدفء والاقتراب من الطبيعة، إلا أننا حين نقيس الشموع بالضوء الذي تولده، فلسوف نجد أن الشموع تكاد تكون أقل كفاءة مائة مرة تقريباً مقارنة بالمصابيح الكهربائية، وأقل كفاءة ثلاثمائة مرة تقريباً مقارنة بأضواء النيون.

فضلاً عن ذلك فإن الشموع تنتج كميات هائلة من الهواء الملوث داخل المنازل، والذي يقتل ما يزيد على مائة ألف إنسان سنوياً في الولايات المتحدة فقط طبقاً لبعض التقديرات. فالشموع قادرة ببساطة على إنتاج الهواء الملوث داخل المنازل بمستويات تتراوح ما بين عشرة إلى مائة ضعف مستويات تلوث الهواء خارج المنازل نتيجة للسيارات، والمنشآت الصناعية، ومحطات توليد الطاقة الكهربية. وإذا ما قسنا الشموع إلى الانخفاض النسبي في تلوث الهواء نتيجة للامتناع عن استخدام الوقود الحفري، فلسوف نجد أنها تزيد من مستويات الهواء الملوث الضار بالصحة من ألف إلى عشرة آلاف ضعف.

من المؤسف أن حملة إطفاء الأضواء تعكس الحالة التي آل إليها القدر الأعظم من مناقشاتنا فيما يتصل بالبيئة. فنحن نستمع رغماً عنا إلى قصص وروايات تتناسب مع أطر متصورة مسبقاً.

على سبيل المثال، من المفترض أن يساعد انهيار إحدى الكتل الجليدية الضخمة مؤخراً في القطب الجنوبي في إثبات التأثيرات المتصاعدة الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي. إلا أن أحداً لم يقل لنا إن المنطقة كانت خالية من الجليد، ربما منذ أربعمائة عام، من دون تأثر بالاحتباس العالمي. ولم يقر أحد بأن كتلة ويكينز الجليدية المنهارة تشكل أقل من 0.01% من القارة القطبية الجنوبية. ولم يعترف أحد بأن القطب الجنوبي يشهد معدلات قياسية من التغطية الجليدية البحرية منذ بدأ قياس تلك المعدلات بالأقمار الاصطناعية.

على نحو مماثل، استمعنا جميعاً إلى آل غور يتحدث عن أعوام الأعاصير الاستثنائية (2004 و2005)، إلا أننا لم نسمع أي شيء تقريباً عن الغياب الكامل للأعاصير المدمرة خلال عامي 2006 و2007. حتى أن شركة «لويدز» للتأمين في لندن بدأت تتذمر من الضغوط المفروضة على أرباحها نتيجة لغياب الكوارث الطبيعية.

إن الأحاديث عن ارتفاع درجات الحرارة إلى عنان السماء لا تتوقف أبداً، إلا أننا على مدار العام الماضي شهدنا أسرع معدل مسجل لتغير درجات الحرارة على الإطلاق، وكان ذلك التغير نحو الانخفاض. ففي شهر يناير تعرضت هونغ كونغ لثاني أطول موجة برد منذ عام 1885. وكانت العواصف التي ضربت وسط وجنوب الصين هذا العام سبباً في أسوأ طقس تشهده البلاد منذ نصف قرن من الزمان. كما سقط الجليد على بغداد للمرة الأولى في التاريخ الحديث.

حين تصل الصورة إلينا مشوهة فمن المرجح أن نتوصل إلى اختيارات رديئة. ويتبين لنا هذا الأمر بوضوح حين نستعرض حملة إطفاء الأضواء. فنحن لا نقدم أي خير، بينما نتسبب في انخفاض كفاءة استخدامنا للطاقة وارتفاع معدلات تلوث الهواء، فنهدر بهذا كل أمل تقريباً في تبني سياسة عامة مستنيرة.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top