مع كل يوم يمر على حكم الرئيس أحمدي نجاد يزداد الجدل بشأن برنامجه وأسلوب حكمه ونمط تعامله مع الطبقة السياسية التقليدية، إضافة إلى تعامله مع الخارج، فأحمدي نجاد لا يتوانى -إن تطلب الأمر- أن يوجّه أقسى الألفاظ وألذعها إلى أقرب المقربين إليه، إذا ما شعر أنه خارج على «البيعة» التي قدمها له في بداية التوافق للعمل سوياً. فما بالك إذا ما شعر بأن المنتقدين لبرنامجه أو سياساته العامة هم من «المتخلفين» أصلاً عن اللحاق بالقافلة بحسب رأيه والالتزام «بخارطة الطريق» التي يكاد يرسمها هو بنفسه اليوم برنامجاً يمهد للظهور، أي ظهور المهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر عند الشيعة الذي سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن تكون قد امتلأت ظلماً وفساداً.

Ad

نقول هذا بعد أن اندلع الجدل بحدة في أوساط الطبقة السياسية والإعلامية بشأن كلام منسوب إلى أحمدي نجاد، قيل إنه قاله في اجتماع جماهيري في منطقة خراسان الجنوبية، أثناء جولة من جولاته الأفقية التي لا تنقطع في المحافظات، وهو ديدن لم يسبقه إليه أحد، يهدف من ورائه إلى نقل مركز الاهتمام من المركز إلى الأطراف.

وفحوى الكلام هو أن المنتقدين أو من يطلَق عليهم المعارضة «هم اليوم في الواقع أقل ذكاء من عقل العَنْزَة»! وهو ما أصاب الطبقة السياسية الإيرانية عموما بالذهول، سواء كان المقصود بالكلام معارضي البرنامج الحكومي من السياسيين الذين تتسع دائرتهم من مقربين سابقين إليه مروراً بالرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي، بالإضافة إلى رئيس البرلمان السابق مهدي كروبي وصولاً إلى من يقفون على حافة النظام السياسي من الليبراليين الدينيين! أو كان الكلام موجهاً إلى أولئك المنتقدين لفلسفة الظهور، كما ورد في توضيح متأخر صدر من مكتب الرئيس الإعلامي.

فأصل المشكلة يكمن في مجمل أدبيات أحمدي نجاد وطريقة تعامله مع من سبقوه في هذا المضمار، ومع الطبقة السياسية عموماً التي لا يستسيغها الكثيرون! صحيح أن هذه الجملة قد تكون القشة التي ستكسر ظهر البعير كما يقول منتقدوه، لكنها ليست الجديدة على أدبياته النقدية العامة، فهو لم يوفر أحداً حتى الآن في حملته النقدية الصريحة واللاذعة في بعض الأحيان وما يخرج منها إلى العلن ربما هو القسم الأقل كما يقول البعض!

هو لم يوفر بعض مستشاريه ولا قسماً من وزرائه ولا عدداً من المقربين منه وأخيراً وجّه كلاماً واضحاً إلى الجسم الرئيسي من وزارة الخارجية والجهاز الدبلوماسي على العموم. إذ قال، وهو يحاور طلبة إحدى الجامعات الطهرانية في رد على سؤال عن سبب «تخلف» الفعل الدبلوماسي الإيراني عن ركبه، قال ما فحواه إن «هذا صحيح وهو حاصل على أكثر من صعيد... بالرغم من أن هذه الوزارة قد تطورت وتغيرت كثيراً فإنها لاتزال بعيداً عن النموذج المطلوب».

هذه الأدبيات الصريحة والمباشرة حول السياسة، ومثلها حول البنوك التي لم تتحرر بعد من العمل الربوي كما يعتبرها بعض مستشاريه أو كما يعتقد آخرون منهم أنها تضر بالدورة الاقتصادية السليمة، وكلام آخر كثير حول تنافر عمل الكثير من الدوائر والمحافل الاقتصادية الخاصة والحكومية مع مقولة «العدل إلهي»، كلها أمور تدفع بأحمدي نجاد بين الفينة والأخرى إلى التهديد بكشف ما يسميه بلائحة المفسدين وضرورة ملاحقتهم وعدم التهاون معهم، وإذا ما أضفنا إليهم أولئك الذين يختلفون معه بشأن تقدير الموقف من جدية الحرب المحتملة وخطورتها على إيران والسبل العقلانية الواجب اتخاذها لمنعها، والتي يعتقدون أن أحمدي نجاد أبعد ما يكون عن اتباعها، وهو ما دفع به إلى تخوينهم علناً، عندها نفهم مدى الهوّة التي تشكلت بين الرجل والطبقة السياسية التقليدية، الأمر الذي دفع بأحدهم، وهو كما يفترض من الناقدين المعتدلين المنتمين إلى جناح المحافظين الأقرب إلى رفسنجاني، إلى القول «إن هذه الطبقة الحاكمة الجديدة لا تمثل العقل الجمعي الإيراني» كما جاء على لسان محمد باقر نوبخت. هذا فضلاً عن مطالبة رئيس جمعية «فدائيان إسلام» الرئيس بضرورة تغيير لهجته وأدبياته في التعامل مع من يختلفون معه، وهي جمعية أصولية لا تمت إلى المعارضة بأي صلة!

قد يكون فتح باب السباق الانتخابي المبكر من جانب الإصلاحيين، دخل في تصاعد حدة التوتر بين أحمدي نجاد وأطياف المعارضة، لكن القضية برأيي هي أعمق وأبعد من ذلك، لأن أحمدي نجاد الذي دخل الانتخابات الرئاسية وأحمدي نجاد الذي فاز بها وأحمدي نجاد الحاكم اليوم كان ولايزال ظاهرة من خارج السياق الذي اعتادت عليه الطبقة السياسية التقليدية المنبثقة من تجربة حكم العقود الثلاثة الماضية، والذي يعتقد نجاد و«جمهوره» المتحمس له أنها باتت مسترخية أكثر من اللازم تجاه ما يعتبرونه خطر تآكل الثورة من الداخل، واحتمال وصول النخر والاختراق إلى العظم إذا ما تركت الأمور على حالها، لا سيما بعد تجربة محاصرة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي بمجموعة من المتسلقين والمتدثرين بعباءته بغرض تفكيك الثورة من الداخل، كما يعتقد طيف واسع من الذين انتخبوا أحمدي نجاد على حساب خياراتهم السابقة أو التحقوا ببرنامجه في ما بعد، فضلاً عن الذين دعموه ووفروا الغطاء «الشرعي» ولايزالون يوفرونه له، سواء بمعنى المشروعية الدينية أو القانونية أو الجماهيرية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني