قلت في الحلقة السابقة إن الصديقة والروائية الإنسانة ليلى العثمان قررت أن تستضيف ثلاثة أدباء من الرابطة؛ لمناقشة ديواني الأول في برنامجها الثقافي الذي يبث أسبوعياً من تلفزيون الكويت، كان ذلك في أوائل الثمانينيات.
وبالطبع في ذلك الزمن الجميل أو (كما أتصور) انه لم تكن الضغائن أو الحسد أو الغيرة تسكن قلوب أناس ذلك الزمن المضيء؛ لذلك هاتفني في ما بعد أبو وضاح، الأستاذ خالد سعود الزيد، وقال لي أرجو أن تأتي معنا إلى التلفزيون؛ لأننا سنقول عنك وعن ديوانك (التعس) ما لم يقله مالك في الخمر. وبالطبع توجهت إلى الرابطة، وركبنا سيارة واحدة -لست أذكر من كان منا يقودها آنذاك- ولكن الصديق الشاعر الراحل خالد سعود الزيد كان يتأمل الديوان ويقلّبه، ويهمهم على طريقته الصوفية الغريبة، وحينما اقتربنا من ضاحية عبدالله السالم لفتت نظري (فيلَّا) جديدة أعجبني تصميمها الهندسي الفظيع، وقلت للدكتور الراحل عبدالله العتيبي: يا عبدالله... ألا ترى تلك الفيلا الرائعة، إنها تحفة ستبقى شاهدة (خالدة) على فن المعمار في الكويت. ساعتها صرخ خالد سعود الزيد وقال بصوته العالي الرنان: يا سلوم (يا...) إن الذي سيبقى خالداً هو مثل هذا الديوان (الأصغر) (التعيس) الذي أحمله في يدي (الغناء في صحراء الألم) وستبقى أسماؤنا خالدة على أرض هذا الوطن الجميل. وستزول يا ولدي كل هذه البهارج المؤقتة في الحياة. ملاحظة للأهمية بعد (28) عاماً من تلك الحكاية، وفي زيارتي الأخيرة لوطني الكويت. لم أجد تلك الفيلا؛ لأنها أزيلت عن الوجود، وتبقّى بالفعل خالد سعود الزيد وعبدالله العتيبي، وأنا الشاهد الباقي على قيد الحياة. بالرغم من أنني صمّمت مثلها وسكنتها، فسوف تزول... ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام. وصلنا إلى التلفزيون واستقبلتنا الصديقة الرائعة ليلى العثمان، والتي أعتبرها حقاً من أروع الناس في الكويت؛ لما تجسّده من جمال يختلط فيه البهاء الأنثوي والبهاء الروحي والبهاء الإبداعي. الذي لطالما (لغط) فيه الكثيرون من أعداء الجمال، وشوهوا صورتها الناصعة في أعين حتى الذين لا يملكون إلّا المحبة -وأنا كنت واحداً منهم- وأقولها بكل وضوح وأعترف إذ إنني لست أدري حتى الآن، لماذا (افتعلت) كراهية ليلى لكي أبدو في أعين الآخرين أنني نصير مقولة إن ليلى يُكتب لها (ولا تكتب هي)، تلك (الظليمة) الفادحة التي نسفتها التجارب والأيام والمعرفة الحقيقية بـ(ليلى) المبدعة حقاً. ومكابداتها الصلبة في استمرار إبداعها المتفرد والمضيء. بل إن من يعرفها عن قرب، سرعان ما يكتشف بكل وضوح شفافيتها المرهفة وثقافتها وإنسانيتها الشاسعة، وشاعريتها المخبوءة التي تعف عن الإعلان، ما علينا من ذلك كله. المهم ان ليلى استقبلتنا في استديو تلفزيون الكويت. وأتاحت المجال شاسعاً للأدباء الثلاثة الذين سيتناولون ديواني (الغناء في صحراء الألم) وهم الأستاذ الشاعر والناقد المرحوم خالد سعود الزيد والدكتور الراحل عبدالله العتيبي، والشاعر فيصل السعد أطال الله بقاءه. وما إن (دارت الكاميرا) حتى نهض أبو سعود، يرحمه الله، وتوجه إلى ديكور المكتبة المصاحب للبرنامج ووضع الديوان عرضاً وطولاً وقال للمشاهدين «ألا ترون أن هذا الديوان يخالف حتى قياسات الكتب في المكتبة، إنه ديوان مخالف حقًّا» ثم بدأ يتناول الديوان بالعرض والنقد.
توابل - ثقافات
السيرة الذاتية لطائر الصحراء - 23
26-03-2008