برهنت أحداث يناير 2006 على ارتقاء الشفافية السياسية وارتفاع سقف الديموقراطية في الكويت بمعدلات قياسية وغير مسبوقة سواء على مستوى العمل البرلماني أو على مستوى الجرأة السياسية في التعبير عن الرأي. وتزامنت هذه النقلة النوعية مع صدور قانون الصحافة الجديد وقانون المرئي والمسموع إيذاناً بعهد جديد.على إطلالة الذكرى الثانية لتسلم صاحب السمو الأمير مقاليد الحكم ومع خالص التمنيات بأن يشهد عهد سموه ترجمة واقعية لتوجيهاته وطموحاته التي واكبت بدايات نشأة الدولة الحديثة نستذكر جملة من المحطات المهمة التي مرت بها البلاد بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح (رحمه الله).
وتكمن أولى هذه المحطات في الفراغ السياسي الذي تركه رحيل الأمير وما صاحب ذلك من مشاعر متداخلة بين العواطف والمواقف في مواجهة وعلاج تلك الأزمة، وإذا كان لوجود شخص صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح وثقله السياسي وخبرته العريقة صمام أمان لتجاوز تلك المرحلة الحرجة إلا أن الموقف التاريخي لمجلس الأمة قد عزز الشرعية الدستورية في سابقة تحسب للديموقراطية الكويتية وإرثها الغني كمظلة للاستقرار.
وتتجسد المحطة الثانية في حالة الترقب الذي ساد الشارع الكويتي على مدى أسبوعين من الزمن، ورغم خصوصيات الأسرة الحاكمة، فإن الدعوات الصادقة والنصائح المستمرة والمساعي الحسنة كانت موجهة نحو الدفع إلى تماسك الأسرة وذاتية قرارها الأمر الذي كان له صدى كبير لاحقاً من الشعور بالارتياح داخل كل أسرة كويتية، وهذا الشعور بحد ذاته تعبير عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم التي تتجاوز الإطار الرسمي والقواعد الدستورية وتنبع من التواصل الوجداني بين الشعب الكويتي وأسرة الصباح وأثبت أنه يمثل نمط حياة وليس فقط علاقة سياسية ورسمية.
وتتجلى المحطة الثالثة في أحداث يناير 2006 في ارتقاء الشفافية السياسية وارتفاع سقف الديموقراطية في الكويت بمعدلات قياسية وغير مسبوقة سواء على مستوى العمل البرلماني أو على مستوى الجرأة السياسية في التعبير عن الرأي. وتزامنت هذه النقلة النوعية مع صدور قانون الصحافة الجديد وقانون المرئي والمسموع إيذاناً بعهد جديد في عالم مصغر للمعلومات المحلية وفي إطار عالم كبير من ثورة لا متناهية لتدفق الأخبار والتحليلات والمعلومات.
ومن المؤكد أن هذا الواقع الجديد سوف يكون أثره مهماً ومباشراً على صقل الشخصية الكويتية وتوجيه الرأي العام، وخصوصاً بين فئة الشباب التي يعول عليها في رسم معالم كويت المستقبل على بعد جيل واحد وفي فترة لن تتجاوز عقداً واحداً من الزمن.
أما المحطة الأخيرة ولعلها الأهم في ذكرى تولي سمو الأمير مقاليد الحكم فتتمثل في استمرار الاستقطاب السياسي داخل الأسرة وانعكاساتها الخارجية، فعلى الرغم من تجاوز إحدى الأزمات المقلقة بنجاح، فإن تبعات ذلك لم تنته، بل باتت تستغل وفي أحيان كثيرة استغلالاً سياسياً خطيراً، بل والأبعد من ذلك أن أشكال الخلاف السياسي المختلفة أصبحت تعلق على شماعة الأسرة إما بقصد وإما حتى من دون قصد، ولا تخلو حتى من نوايا وأغراض مبيتة.
فبعض خلافات الأسرة يسربها أبناؤها أو يتجاهرون بها وفي ذلك شواهد وإسقاطات على أرض الواقع. وقد تكون لها تبعات الجميع في غنى عنها، إلا أن مثل هذه الخلافات تستثمر في بعض الأحيان في صراعات سياسية وأجندات خاصة قد تكون بعيدة كل البعد عن تلك الخلافات، ولكن يتسلق من خلالها بعضهم لترويج بضاعته أو ضرب خصومه.. وهنا تكمن الطامة الكبرى ويجب أن يُتوخى الحذر.
لذا فإن شخصية سموه وحكمته وإدارته هي المعول الوحيد كصمام أمان مرة أخرى لحسم هذا النوع من الاستغلال السياسي ليس فقط في منع محاولة بعض أبناء الأسرة في فرض استقطابات سياسية في الأوساط العامة، بل وبنفس الدرجة والأهمية منع عوام أبناء الشعب من زج الأسرة في خصوصياتهم الشخصية أو تصفية حساباتهم أو فرض أجندتهم الخاصة.