الحقُّ على الطليان!!
ليس صحيحاً أن الغرب كله يكره المسلمين الذين عنده، لذلك علينا أن نعترف بأن هذه المواقف المستجدة التي اتخذها البريطانيون والفرنسيون والأميركيون وأيضاً الإسبان والألمان سببها أن مرض الإرهاب والتطرف والعنف قد انتقل إلى الجاليات الإسلامية في الدول الغربية كلها.
كما وقفنا لقرار الكونغرس الأميركي الذي دعا إلى تقسيم العراق في منتصف الطريق وقلنا فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، وكما ضربنا هذا القرار بألسنتنا وأقلامنا وقلوبنا، ضرب غرائب الإبل، فإن علينا وبالمقدار نفسه، حتى نكون منصفين، أن نرحب بالقرار الأخير الذي اتخذه هذا «الكونغرس» نفسه الذي أنصف فيه الإسلام ودافع عنه وأقر بأنه دين عظيم يجب تقديره واحترامه. لا يجوز أخذ الصالح «بعروى» الطالح، فكما أن هناك جوانب سلبية كثيرة في الغرب بما فيه الولايات المتحدة كذلك، فإن فيه جوانب إيجابية كثيرة أيضاً، ولذلك فإنه يجب عدم الوقوع في شِباك الذين يدعون إلى صراع الحضارات والذين يضعون الغربيين كلهم في سلة واحدة ويروجون إلى ضرورة التعامل والتعاطي معهم وفقاً لمعادلة: «ديار الكفر وديار الإسلام!!». بالإضافة إلى كل هذه الاختراعات والاكتشافات التي تنعم بها الآن البشرية كلها وفي مقدمتها التقدم الهائل في المجالات الطبية وفي مجالات الاتصالات والمواصلات، فإن هناك في الغرب قيماً نبيلة تستحق أن تحتذى وتستحق أن تقدر ويجب ألا تؤخذ بجريرة التشوهات التي مثلها وأكثر منها في هذا «الشرق السعيد» الشيء الكثير. في مراحل وحقب سابقة رفض اليهود، الذين لجؤوا إلى الغرب وتركوا أوطانهم الأصلية تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية المتردية وهرباً من قسوة التمييز العنصري ضدهم، الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة وبقوا ولعشرات الأعوام ومئاتها يعيشون في أحياء مغلقة خاصة بهم «غيتوات»، وهذا هو الذي جلب إليهم الويلات وجعلهم يتعرضون لما تعرضوا له من بطش ومن حملات عنصرية بشعة وإلى محارق جماعية، كما فعل «النازيون» عشية الحرب العالمية الثانية وخلالها. الآن هناك جالية مسلمة في الولايات المتحدة وصل عددها إلى نحو عشرة ملايين نسمة، وهناك الآن جالية مسلمة في أوروبا يصل عددها إلى أكثر من سبعة ملايين نسمة ومشكلة هذه الجاليات أنها لا تزال تتردد في الاندماج في مجتمعاتها الجديدة، بل ربما هي ترفض ذلك، وهذا هو الذي جعل هذه المجتمعات تنظر إلى المسلمين في بلدانها نظرة شك وريبة على أنهم أجسام غريبة وأنهم مختلفون ثقافة وحضارة ومأكلاً ومشرباً وملبساً وممارسات يومية. ليس صحيحاً أن الغرب كله يكره المسلمين الذين عنده، لذلك علينا أن نعترف بأن هذه المواقف المستجدة التي اتخذها البريطانيون والفرنسيون والأميركيون وأيضاً الإسبان والألمان سببها أن مرض الإرهاب والتطرف والعنف قد انتقل إلى الجاليات الإسلامية في الدول الغربية كلها، وأنه بدل أن تندمج هذه الجاليات في مجتمعاتها الجديدة وتخلص لأوطانها التي لجأت إليها بعدما هربت من أوطانها الأصلية أصيبت بعقدة الانكفاء على الذات، وهي لم تستفد من التجربة اليهودية الآنفة الذكر، إذ بعد وصول «النازيين» إلى السلطة والحكم في ألمانيا تعرض هؤلاء لما تعرضوا له. دعونا نضع أصابعنا على مكمن الألم، فعندما يختطف شخص مثل «أبو حمزة المصري» شريحة عريضة من الجالية المسلمة في بريطانيا، وعندما يظهر من بين أبناء هذه الجالية من يدعو وبكل جهل ورعونة إلى تحويل قصر «بكنغهام» إلى مقر للخلافة الإسلامية، وعندما تتعرض لندن باسم الإسلام إلى موجة التفجيرات الدامية التي تعرضت لها، فإنه يجب عدم استغراب الموقف الذي اتخذه البريطانيون، وهذا ينطبق على الأميركيين بعد كارثة وجريمة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وعلى الفرنسيين بعد سلسلة الحوادث التي تعرضت لها باريس، وعلى الألمان والإسبان والهولنديين وعلى الأوروبيين كلهم... وبهذا فإن المسؤولية الأولى تقع علينا وعلى جالياتنا وعلى الذين صبغوا الإسلام العظيم دين الإنسانية والرحمة والتسامح بالصبغة الإرهابية الدموية... إن الحق ليس على الطليان... أليس كذلك؟!. * كاتب وسياسي أردني