ثقافة الدينار آخذة في الانتشار بيننا على حساب قيم الأخوة والمودة والتكافل الاجتماعي التي كانت سائدة في الماضي. والتحزب الطائفي والقبلي يزداد سوءاً حتى وصل إلى تزكية بعضهم لممثليهم في انتخابات الكليات، وكأن بقية القبائل والفئات آتية من كواكب أخرى.عام يأتي وعام يذهب، وعيد يأتي وعيد يذهب... نفرح في كل سنة بهذه المناسبة، نوزع «العيادي» ونلبس الثياب الجديدة، نبارك بعضنا بعضا ونزور الأهل والأصدقاء، لكن ماذا بعد؟ هل تغيرنا فعلاً خلال هذا الشهر الفضيل أم أنه موسم فقط ثم تعود حليمة لعاداتها القديمة؟ بودِّي أن أفرح مثل بقية الناس لكن أجد من الصعوبة أن أخادع نفسي وأوهمها بأننا قد تغيرنا إلى الأفضل، لأننا وبكل صراحة (مكانك راوح) هذا إذا لم نتغير للأسوأ.
فعلى الصعيد المحلي، نزداد انغماساً في الماديات، ونلهث وراء آخر موديلات التليفونات النقالة لا لحاجتنا إلى تقنياتها المتطورة، بل لشكلها فقط. وأغلب شبابنا ضائع يتسكع في الشوارع والمولات ويركض وراء السيارات الفارهة ذات المبالغ الباهظة حتى لو لم يكن آباؤهم قادرين على تحمل كل هذه الأعباء المالية، وإخوان الشياطين منتشرون بيننا عبر البذخ والإسراف اللامعقول على حفلات الأعراس والمواليد. ونرى إعلانات تصفية العقارات بين الإخوان والأخوات المتخاصمين يومياً على صحفنا، وكثير من تجارنا يتربصون بالناس حتى يمتصوا أي زيادة في معاشاتهم.
وثقافة الدينار آخذة في الانتشار بيننا على حساب قيم الأخوة والمودة والتكافل الاجتماعي التي كانت سائدة في الماضي، والتحزب الطائفي والقبلي يزداد سوءاً، حتى وصل إلى تزكية بعضهم لممثليهم في انتخابات الكليات، وكأن بقية القبائل والفئات آتية من كواكب أخرى من دون أن نتذكر أننا نعيش مع بعضنا بعضا يومياً على مقاعد الدراسة وفي العمل والدواوين، وتكون بيننا علاقات نسب ومصاهرة! وبينما نوفر الرعاية الصحية للحيوانات، فإن هناك عشرات الآلاف من البدون محرومون من تلك الرعاية، بل ومحرومون من أبسط حقوق الإنسان أيضاً، وفي ما نوزع «العيادي» على أطفالنا فإن هَّم كثير من عوائل البدون هو توفير عشاء هذه الليلة لأطفالهم.
أما على الصعيد العالمي، فنشاهد مظاهر العذاب والظلم في هذا العالم الفاسد وكأنها لا تعنينا. لا نتفكر ولا نضع أنفسنا محل صبي فقد للتو أباه وأمه وإخوته ذبحاً أو تفجيراً على أيدي من يريدون أن يتعشوا مع الرسول الأكرم (ص)! أو امرأة ثكلى لا مأوى لها تبكي بحرقة لأنها لا تملك ما تطعم به أطفالها، أو أب يفقد أبناءه لعدم وجود الدواء اللازم لعلاجهم.
لم نعد نهتم بما يجري لإخواننا المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان وبقية الدول، ونسينا الحديث الشريف «من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم». نتمتع بالنعمة دون أن نشكر الباري عز وجل عليها، وننسى أنه مادام لدينا بيت يؤوينا ومكان ننام فيه وطعام نأكله ولباس على أجسامنا، فإننا أغنى من %75 من سكان العالم، وإذا كان لدينا مال في جيوبنا واستطعنا توفير القليل منه لوقت الشدة فنكون ضمن %8 من أغنياء العالم. وبينما ننعم بالصحة هناك مليون إنسان لن يستطيعوا أن يعيشوا لأكثر من أسبوع بسبب مرضهم، وهناك أيضا 500 مليون إنسان يتجرعون يومياً خطر الحروب والتعذيب والسجن، والقائمة مليئة بمثل هذه الإحصائيات المروعة.
وبينما تعم مظاهر الفرح وحفلات الطرب، فإنني سأظل كما في كل عيد أقلب المواجع والآهات واستمع إلى أنين المحرومين وأسكب الدمع على مصائب المستضعفين. لا تفهموني غلط، فلست ضد الفرح والترفيه... فالنسيان من أفضل النعم، لكن عذراً يا أعزائي... فالعيد غير سعيد.