عين العقل.. وذروة الصواب

نشر في 16-03-2008
آخر تحديث 16-03-2008 | 00:00
 صالح القلاب

إن العرب هم الأولى باحتضان الأكراد وتبني قضاياهم والدفاع عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية القومية... ولهذا فإن انعقاد مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب في أربيل هو عين العقل وهو ذروة الصواب.

كان ضرورياً أن يعقد اتحاد البرلمانيين العرب مؤتمره الأخير في «أربيل» في كردستان وفعل خيراً الذين سارعوا إلى حضور هذا المؤتمر، وشجعوا الآخرين على حضوره، وكان على الذين غابوا وتغيبوا واختلقوا الأعذار لغيابهم غير المبرر أن يدركوا أن هذه المنطقة جزء من العراق، وأن عقد هذا المؤتمر فيها هو تأكيد على هذه الحقيقة التي غابت منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، ليس بسبب ما يعتبره الذين يعرفون الحقائق لكنهم يصرون على وضع أيديهم فوق أعينهم إنما بسبب صدام حسين الذي بادر إلى سحب إداراته وشرطته ومخابراته وكل رموز وحدة الدولة العراقية عندما اشتد الضغط عليه في مناطق الجنوب وليس في مناطق الشمال.

هناك عربٌ يصرون على معاملة الأكراد، خصوصاً أكراد العراق، بأساليب فوقية شوفينية بائسة وتدل على قصر نظر وعلى عمى البصر والبصيرة وجاهلية ما قبل الإسلام الذي أكد على لسان رسول الله تلك الحقيقة التي تدل على أن هذا الدين الحنيف سبق غيره إلى نبذ العنصرية على أساس اللون والعرق: «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى».

هل المطلوب يا ترى أن يبقى الأكراد يدفعون ثمن تمردهم على صدام حسين ومقاومتهم دكتاتوريته ومجازره وعنصريته؟ هل ذنب هؤلاء هو أنهم قاوموا الطغيان وأنهم تمسكوا بحق شعبهم الكردي وشعبهم العراقي في الحرية والانعتاق والديموقراطية والعيش بكرامة وشرف؟ وهل كان على الأكراد أن ينحنوا للظلم وأن يسكتوا على الضيم وألا يدافعوا عن أطفالهم ونسائهم وأعراضهم بحجة أنه لايجوز الوقوف في وجه نظام يعتبره أصحابه والمنتفعون منه والذين أتخمهم صدام حسين بـ«الكوبونات» النفطية نظاماً تقدمياً وعروبياً لا يجوز المس والاعتراض على تصرفاته البدائية الجاهلية.

لا يمكن أن يكون حتى مجرد إنسان من لا يعترف للشعب الكردي في العراق وإيران وتركيا وفي كل مكان بحق تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته القومية المستقلة مثل كل شعوب هذه المنطقة، وللذين يعجبهم الاستشهاد بأحد فلاسفة الماركسية-اللينية أن يتذكر أن لينين كان قال: «إن شعباً يقبل باضطهاد شعب آخر لا يمكن أن يكون شعباً حراً». وللأسف فإن الشعب الذي اعتبر نفسه أنه شعب لينين كان أكثر شعوب الكرة الأرضية اضطهاداً لغيره، وأن الاتحاد السوفييتي الذي كان يعتبر دولة لينين كان أكثر قمعاً للدول التي حاولت التمرد على وصايته من قمع فرنسا في الجزائر وقمع إسرائيل السابق واللاحق للشعب الفلسطيني.

إنه عار ما بعده عار أن بعض العرب مازالوا يخيطون بمسلة صدام حسين وأن هناك عروبيين كَذَبَة وجَهَلَة ومنافقون مازالوا يصفون كردستان-العراق بـ«الجيب العميل» و«إسرائيل الثانية»... وهؤلاء وأمثالهم هم الذين يدفعون هذا الشعب العزيز والشقيق وهذه الأمة المجيدة التي هي أقرب أمم الأرض إلى الأمة العربية التي هي: «خير أمة أخرجت للناس»، نحو إسرائيل ونحو العداء للعرب... ونحو إيران وغير إيران... إذ إن لكل فعل رد فعل، وإن الإنسان العادي عندما يجد نفسه مستهدفاً ومعزولاً ومحارباً، من الذين من المفترض أنهم أقرب الناس إليه، فإنه أمر طبيعي أن يتحالف حتى مع الذين من المفترض أنهم أعداؤه... وهذا كان قد حصل مع المسيحيين الموارنة العرب في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما دفعهم الذين انقضوا عليهم باسم العروبة وفلسطين والمقاومة إلى طلب المساندة والعون حتى من إسرائيل ومناحيم بيغن وإسحق شامير.

إنها عروبة بائسة وشوفينية وعنصرية التي ترفض أن يطالب الأكراد بحقوقهم المشروعة مثلهم مثل شعوب المنطقة كلها، والتي تريد لهم أن يكونوا مجرد ملحقين وتابعين للعراق، حتى في عهد صدام حسين المشؤوم، ولإيران التي كانت مجازر كرمنشاه الكردية أول إنجازات ثورتها الإسلامية ولتركيا التي تصر على أن أكرادها هم أتراك الجبال التي رغم أن حقائق التاريخ والحاضر والماضي ترفض هذا الادعاء فإنها مستمرة في عدم التسليم لنحو سبعة عشر مليون كردي وأكثر ولو بالحد الأدنى من حقوقهم المدنية والثقافية.

إن العرب هم الأولى باحتضان الأكراد وتبني قضاياهم والدفاع عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية القومية... ولهذا فإن انعقاد مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب في أربيل هو عين العقل وهو ذروة الصواب، فهؤلاء هم أحفاد صلاح الدين الأيوبي، وهؤلاء هم شركاء العرب عبر كل العصور في الدفاع عن هذه المنطقة، وهؤلاء هم الذين شارك عباقرتهم ومبدعوهم من شعراء ومؤرخين وعلماء ولغويين في إغناء الحضارة الإسلامية-العربية التي نعتز بها جميعاً... نحن وهم.

* كاتب وسياسي أردني

back to top