أردد دائماً: القاهرة لا تشبه إلا نفسها. عواصم كثيرة عربية وأجنبية يمكن أن تشترك في ملمح أو في آخر، لكنها القاهرة وحدها لا تشبه إلا نفسها. القاهرة، مدينة التاريخ بطبقاته المتراكمة، ومدينة البشر، كل البشر، ومدينة الفكر والأدب والفن. المدينة التي لا تعرف النوم والهدوء. الباسمة في وجه كل من يقبل عليها، مشرعة أذرع ودها لاحتضان ضيوفها. المتعالية فوق معاناتها وجراحها، وكأن جملة سائق التاكسي العجوز بصوته الأبح تختصر حالها «كلُ ماشي يا بيه».
نظم المجلس الأعلى للثقافة ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي، خلال الفترة من 16 إلى 19 من الشهر الجاري، وعلى امتداد أيام المؤتمر كنتُ أصرّ على قطع المسافة الفاصلة بين الفندق ومبنى المجلس الأعلى للثقافة، التي تستغرق حوالي عشر دقائق، مشياً على الأقدام. أمشي كي أكون بين الناس، وأمشي كي أكحل عينيَّ برؤية النيل، وأمشي كي أكون أحد شخوص رواية كبيرة، لا تعدلها أي رواية أخرى. «الرواية العربية الآن» العنوان العريض الذي انعقدت بشأنه جلسات الملتقى، بحضور حوالي مئة روائي وناقد عربي وأجنبي، مثّلوا مختلف أطياف الرواية ومدارس النقد العربية، خلافاً للمشاركين من مصر. ناقش الملتقى مختلف قضايا الرواية العربية، وبأصوات كتابها ونقادها، وبما يعدّ مكسباً لجنس الرواية، ومكسباً مهماً على صعيد تواصل الكتاب والنقاد العرب فيما بينهم. تواصل خارج نطاق قراءة الورق، تواصل إنساني كفيل بمد مزيد من الجسور الإنسانية والفكرية بينهم. وربما بات هذا التواصل بمنزلة الثمرة الأهم لأي ملتقى أو مهرجان أو مؤتمر عربي. وجرياً على عادة الملتقى في كل دورة من دوراته، أعلن في الجلسة الختامية اسم الفائز بجائزة الرواية العربية لهذه الدورة، وكان الروائي إدوار الخراط. وبما يعدّ تتويجاً واعترافاً مستحقاً بجهود روائية مبدعة للخراط امتدت على مساحة نصف قرن من العطاء المتواصل، وأضافت أعمالاً روائية مهمة لمكتبة الرواية العربية. بمناسبة انعقاد الملتقى، أصدر المجلس الأعلى للثقافة كتابين، أظن أنهما في غاية الأهمية، الأول «المشهد الروائي العربي»، الذي قدم صورة مفصلة عن المشهد الروائي الراهن في كل قطر عربي، بينما جاء الكتاب الثاني: التعريف بالمشاركين ليقدم السير الذاتية لجميع الروائيين والنقاد المشاركين في المؤتمر. كانت جلسات الملتقى تمتد على فترتين، من العاشرة صباحاً حتى التاسعة والنصف مساءً، لكن لقاءات أخرى لا تقل عنها أهمية كانت تنعقد على طوال اليوم، في كل ركن وزاوية من زوايا المجلس الأعلى. لقاءات تجمع أصدقاء قدامى، وأصدقاء جددا، حول مائدة فيها من البوح الإنساني الشيء الكثير، إلى جانب تبادل الآراء في مختلف القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية. ولا تلبث هذه اللقاءات أن تنتقل إلى أحد مقاهي القاهرة لتكمل سهرها، وكأن لسان حالها ينطق بحاجة المبدعين العرب إلى لقاء يجمعهم حول مائدة يقال فيها بصراحة وصدق ما لا يقال على صفحات الكتب والجرائد.
توابل - ثقافات
ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي
26-02-2008