عندما قررت «الجريدة» نشر مذكرات الدكتور أحمد الخطيب، فقد جاء ذلك القرار عن ادراك، ليس لأهمية ما ورد فيها من معلومات وأفكار وآراء فحسب، ولكن انطلاقا من رغبتنا في كسر حاجز وهمي طالما ظل يسيطر على الحياة السياسية الكويتية، وهو أنه على الرغم من ثراء وتنوع الفعل والنشاط الكويتي العام، إلا أننا نادراً ما نجد من يقدم تجربته من جيل الرواد لكي يتداولها الناس، ويتعرفوا عن كثب على شخصيات ورموز أثّرت وأثْرت وأعطت لبناء هذا الوطن، فأغلبية ما صيغ وما نشر من تلك التجارب لا تعدو كونها سردا طوليا، أو ملفات للصور، لا تحلل ولا تشرح بقدر ما تبين البعد الايجابي للشخص صاحب المذكرات، وقد ترتب على هذا نقص حاد وقصور شديد في المكتبة الكويتية الخالية من المذكرات الشخصية التي تمارس نقدا ذاتيا، وتلتزم الأصول المتعارف عليها لفن كتابة المذكرات، فكتابة المذكرات ليست كما قد يتصور البعض بأنها كتابة مؤرخين يستندون في كتابتهم الى مصادر موثوقة بالضرورة يتم استقاؤها من رسائل أو كتب، ولكنها سيرة ذاتية لصاحب المذكرات كما رآها هو، وكما فهمها هو، وكما عايشها هو، وهذا الامر يعني بالضرورة أنه قد تكون هناك حقائق مكملة غابت عن مشاهدة صاحب المذكرات، وهو أمر لا تثريب عليه، بل انه قد يكون حافزا لآخرين لأن يصححوا، ان كانوا يتصورون أن اغفالا ما قد حدث، دون الحاجة الى التجريح أو التجريم.
وهكذا كان قدر «الجريدة» أن تصدر في الوقت ذاته الذي انتهى فيه الدكتور أحمد الخطيب من كتابة مذكراته، فالتوقيت بالنسبة لنا كان فرصة لا تعوض للاقدام على هذه الخطوة، التي نسعى الى ان تتبعها خطوات أخرى مع شخصيات كويتية كانت لها اسهاماتها في مسيرة هذا الوطن، ونحن إذ نفتخر بأننا نشرنا مذكرات الدكتور أحمد الخطيب فإننا في الوقت ذاته نرحب بجميع الردود والتعقيبات. من هذا المنطلق يأتي ترحيبنا بنشر رد الدكتورة سعاد الصباح التي نكن لها الكثير من المودة والاحترام، ونحن في «الجريدة» وإن كنا نقدر الرغبة الصادقة للدكتورة سعاد الصباح في تثبيت الدور الذي أداه زوجها ورفيق دربها الشيخ عبدالله المبارك في مسارات الحياة السياسية الكويتية حتى مغادرته الكويت عام 1961، إلا أننا نختلف مع بعض الأحكام والنعوت التي وصفت بها الدكتور الخطيب، ولكننا على أي حال ملتزمون بنشرها كما وصلت الينا من دون حذف أو تعديل من أي نوع. لقد أوضح نشر مذكرات الدكتور الخطيب صحة ما ذهبنا إليه من الناحيتين المنهجية والاعلامية، فمن حيث المنهج فإننا فتحنا الباب لأسلوب جديد في التعاطي مع التطور السياسي في الكويت ظل مفقودا طوال هذه السنين، ونحمد الله اننا وفقنا في كسره مع شخصية بأهمية الدكتور أحمد الخطيب ورمزيته. أما من الناحية الاعلامية فقد كانت المتابعة غير المسبوقة للمذكرات وتجاوب القراء معها دليلا آخر على أنه مازالت هناك مساحة واسعة لتقديم مادة ذات نوعية جادة ومقروءة في الوقت ذاته. ولا يسعنا هنا إلا التقدم بالشكر للدكتورة سعاد الصباح على مسعاها الذي نعلم انه سيثير أيضا جدلا وردود أفعال نأمل ان تستمر، فتاريخ الكويت ليس ملكا لأحد، بل هو ملك للكويت كلها، وطالما اننا مازلنا نتنفس نسائم الحرية، فللجميع الحق -من دون استثناء - في أن يقول رأيه. تواصل د. سعاد الصباح في هذه الحلقة التعقيب على ما ورد في ذكريات د. أحمد الخطيب، إذ تتناول دور زوجها الشيخ عبدالله المبارك في استتباب الأمن في الكويت باعتباره مديراً لدائرة الأمن العام، وتؤكد أنه رغم دعمه الثورة المصرية فإنه رفض أن تكون الكويت ساحة للخلافات بين الحكومات العربية، حتى لا يعطي ذلك مبرراً لبريطانيا في التدخل في الشأن الداخلي للكويت. وإذ ترفض د. سعاد الصباح التجني على تاريخ عبدالله المبارك، تؤكد في الوقت ذاته أن مصادر تفكيره بشأن العروبة كانت متعددة، وتسرد أدواره في لبنان ومصر وفلسطين. تمتلئ ذكريات د. أحمد الخطيب بالإشارات التي ترجع الدعم الشعبي الكويتي للقضايا العربية إلى جهوده هو ومجموعته. وهو بذلك يعطي لما قام به وزناً أكبر مما حدث فعلاً. والحقيقة، أنّ هذا الموقف كان تعبيراً تلقائياً وطبيعيّاً عن مشاعر الكويتيين الصادقة، والتي أيّدها الشيخ عبداللّه السالم أمير البلاد ونائبه الشيخ عبداللّه المبارك. ويصبح من قبيل التجرّؤ على من انتقلوا إلى رحاب اللّه الانتقاص من دورهم أو المزايدة عليه. لقد كان شيوخ الصباح من الفخورين دوماً بعروبتهم، وكان الشيخ عبداللّه المبارك يؤكد على أنّ الانتماء للعروبة ليس قولاً لفظيّاً أو مجرّد شعار وحسب، بل قرن القول بالفعل. فكان له فضل السبق في الدعوة للاكتتاب لتسليح الجيشين المصري والسوري وحرص على حضور الاجتماعات التي نظّمت لتأييد ثورات العرب من أجل الاستقلال في الجزائر والمغرب وتونس، وقام بإلغاء تأشيرات الدخول للكويت بالنسبة للعرب، وللشيخ عبداللّه المبارك دور مشهور وموثق بخصوص ذلك. أمن الكويت شهدت السنوات التالية لعام 1952 زخماً سياسياً وشعبياً عارماً. وكان على الشيخ عبدالله المبارك باعتباره مديراً لدائرة الأمن العام أن يحافظ على أمن الكويت واستقرارها. كان الشيخ - قلباً وقالباً - مع تطلّعات الثورة المصرية ومع المشاعر العربية، ولم يخف ذلك على أحد. ولكنّه رفض أن تكون الكويت ساحة للخلافات بين الحكومات العربية، أو أن تستخدم كأداة لأحد الأحزاب العربية ضد الآخرين، وذلك حتى لا يعطي الفرصة لبريطانيا للتدخل في شؤون الكويت بدعوى المحافظة على الأمن والنظام. ويعتبر الشيخ عبداللّه المبارك من أبرز السياسيين الخليجيين الذين حافظوا على علاقاتهم الوثيقة بالبلاد العربية، وعملوا على تطويرها ودعمها باستمرار. كان الشيخ مؤمناً بالعروبة والتضامن العربي بشكل طبيعي وتلقائي. ولم يكن محتاجاً إلى «تنظير» أو «فذلكة فلسفية» لكي يدرك معنى العروبة، فقد كانت جزءاً طبيعياً من البيئة التي تربّى فيها، والمناخ الذي عاش فيه، وأثّر على عقله وتفكيره ووجدانه. والحقيقة، أنّ مصادر تفكير الشيخ عبداللّه المبارك بشأن العروبة متعدّدة، منها تأثّره بوالده، ومنها أصدقاؤه في البلاد العربية، خصوصاً لبنان الذي كان معقلاً للفكر العربي في الأربعينات والخمسينات، ومنها أصداء قضية فلسطين وزيارة وفد الهيئة العربية العليا إلى الكويت في عام 1935 برئاسة الحاج أمين الحسيني ومشاركة محمد على علوبة باشا مما ترتّب عليه إنشاء لجنة كويتية لجمع التبرّعات لدعم الشعب الفلسطيني [تكوّنت اللجنة من يوسف القناعي، وأحمد الحميدي، ومحمد الغانم]، ومنها العرب المقيمون في الكويت وتفاعله معهم، ومنها مصر الثورة والرئيس جمال عبدالناصر، ومنها بعض المثقّفين الكويتيين والعرب، ومنها قراءاته في التاريخ الخليجي والعربي وإيمانه بأهمية التكتل والوحدة. وأودّ أن أركّز على دور والده مبارك الكبير، وتأثّر الشيخ عبداللّه بما سمعه عن جهوده في هذا الشأن. فكما كتب حسين خزعل «كان الشيخ مبارك ميّالاً للوحدة العربية ومن السابقين للمناداة بها وكثيراً ما كان يكرّر قوله: نحن عرب ويجب أن نبقى عرباً وأن نعمل ما في وسعنا للاحتفاظ بعروبتنا ونقاوم كل باغٍ عليها» [حسين خلف الشيخ خزعل: تاريخ الكويت السياسي]. لذلك، فقد طرح في عام 1909 فكرة نزع الخلافة من الأتراك وإرجاعها إلى العرب. وفي عام 1913، شارك في الإعداد لمؤتمر عربي يعقد في الكويت للنظر في شؤون العرب على ضوء تدهور العلاقات مع الدولة العثمانية في عهــد حكــومــة الاتحــاد والترقّي. وكان المدعوون يضمون مندوباً عن الشريف حسين، والأمير عبدالعزيز بن سعود، والأمير سعود الرشيد، وعجمي باشا السعدون، والشيخ مبارك، والشيخ خزعل أمير المحمرة، والسيد طالب النقيب من العراق، وكان هدف المؤتمر الترتيب لثورة عربية ضد الأتراك، ولكن بسبب اعتذار بن سعود، تأجل المؤتمر [المرجع السابق]. وفي يناير عام 1915، تحدّث مبارك الكبير مع اللورد هرنك نائب ملك أنكلترا في الهند خلال زيارته للكويت عن استقلال العرب قائلاً: «نحن لم نعادِ الأتراك وهم مثلنا مسلمون إلاّ خوفاً على استقلالنا» [نفس المرجع]. لا للتأشيرات ففي عام 1947، عندما وصلت أول رحلة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية من بيروت إلى الكويت، أمر الوكيل السياسي بأن يحصل الزوّار العرب على تأشيرات دخول. وتبيّن أن الطائرة تحمل أشخاصاً يحملون تأشيرات حصلوا عليها من السفارة البريطانية، وآخرين بدون تأشيرات. فأمر الشيخ عبداللّه بدخول من لا يحملون تأشيرة، ومنع دخول الحاملين لها. وقال: «كلّنا بلاد عربية، لا يجوز أن يحتاج العرب إلى تأشيرات لزيارة بلدانهم» واحتج الوكيل السياسي ولكن الشيخ عبداللّه المبارك لم يغيّر موقفه. وفي عام 1949 طلبت شركة طيران الشرق الأوسط الموافقة على نقل مجموعة من الحجاج الباكستانيين من الكويت إلى جدة، ورفض الوكيل السياسي السماح لطائرات الشركة بالهبوط في مطار الكويت. وعندما علم الشيخ بالأمر غضب غضباً شديداً بسبب تدخل الوكيل في الشؤون الداخلية للكويت، ووافق على هبوط الطائرات وإعطاء الحجاج تأشيرات الدخول المطلوبة. بل وقام باستقبالهم شخصيّاً ووفّر لهم الطعام والخيام على نفقته في فترة الانتظار لحين السفر إلى السعودية. كما أعدّ لهم ترتيبات مماثلة في طريق عودتهم من السعودية إلى بلادهم [John Munro. Out on a Wing: The Story of Wafic Ajouz and MEA Beirut. Masters Publication Communication. 1986]. وفي مرحلة لاحقة، استخدم الشيخ حجّة حاجة الكويت للعمالة العربية وجعل مدة الإقامة خمس سنوات، وسجّل الوكيل السياسي اعتراضه على هذا الإجراء، باعتباره أنه يتعارض مع بنود اتفاقية الحماية، والتي تضع إدارة الشؤون الخارجية تحت إشراف بريطانيا، فكان ردّ الشيخ عبداللّه المبارك أن هذا القرار هو شأن داخلي محض، وأنّ الحكومة البريطانية لا يمكن أن تعترض على التقارب بين العرب، خصوصاً وأنّ الكويت تحتاج إلى أعداد كبيرة من العمالة العربية، وأنّه من الصعب عملياً إصدار تأشيرات دخول من دار الوكيل السياسي في كل حالة، كما كان متّبعاً في السابق. ولم تقتنع لندن بهذا التفسير واعتبر الوكيل السياسي هذا الإجراء «غير مرخّص به» [From Political Agency to Political Residency 11, 1952] ولكن الشيخ عبداللّه المبارك لم يرد عليهم. وفي تقرير عن وضع المقيمين العرب في الكويت وأهمية السيطرة الأمنية على أنشطتهم السياسية، كان رأي الوكيل السياسي أنّ الوضع القائم يبين «أنّ سياسة عبداللّه المبارك الخاصة بإلغاء تأشيرات الدخول خلقت أخطاراً بالغة على سلامة الدولة» [From Political Residency (Burrows) to Political Agency (Bell). May 31, 1955 انظر الوثيقة رقم (26)]. والحقيقة أنّ الشيخ أقام توازناً دقيقاً بين ظروف الكويت السياسية، واستثمار الفرص المتاحة لتأكيد التضامن العربي. ففي فترة المدّ الثوري، وإبّان موجة التحرّر من نير الاستعمار في البلدان العربية في مطلع الخمسينات كانت الكويت لا تزال تحت الحماية البريطانية. وبينما أدرك الشيخ حقائق توازن القوى في منطقة الخليج وطبيعة العلاقة مع بريطانيا والحدود التي تفرضها تلك العلاقة، فإنه لم يكن ليُضيع مناسبة لكشف انحيازه العربي والتزامه بالقضايا العربية. فعند استقباله وفدا من الصحافيين اللبنانيين في عام 1952 أكّد لهم «إنّ الكويت وطن اللبنانيين الثاني، ولبنان عزيز على قلوبنا، نحبّه ونفاخر به... وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكويت تمدّ يد التعاون إلى جميع الدول العربية في سبيل الخير العام المشترك. ولا فرق عندنا بين عراقي ومصري أو كويتي ولبناني، فكلّنا إخوان تربطنا رابطة العروبة» [فاضل سعيد عقل: الكويت الحديثة]. وفي استقباله وفدا من الصحافيين السوريين في عام 1953، خاطبهم بقوله: «إن الكويت وسورية بلد واحد في عروبتهما وإيمانهما وتطلعهما إلى النهضة والحضارة. وما أبناء العروبة سوى أسرة واحدة، وما أقطارهم سوى قطر واحد» [مجلة النقاد، عدد 171، بتاريخ 29 مارس 1953]. وفي عام 1958 - أثناء زيارة له لمصر - صرّح بأنّ الكويت هي جزء من المجموعة العربية «ونحن لا نفرّق بين كويتي أو مصري أو عراقي، وأنا هنا في القاهرة مصري، والمصري في الكويت كويتي» [جريدة الأخبار بتاريخ 18 أغسطس 1958]. حدث تاريخي وفي مناسبة مرور عام على الوحدة المصرية - السورية في فبراير من عام 1959، ألقى الشيخ كلمة بثتها إذاعة الكويت ذكر فيها أن إقامة الجمهورية العربية المتحدة هي حدث تاريخي عظيم في حياة الأمة العربية التي تكافح من أجل وحدتها، وطلب من أئمة المساجد الدعاء للوحدة العربية. وأعلن اليوم التالي إجازة رسمية، عُطلت فيها المصالح الحكومية [From Political Agency (Halford) to Foreign Office, February 11. 1959]. وفي عام 1959، سعى الشيخ عبداللّه المبارك لتصفية الخلافات بين القاهرة وتونس، ودعا عبداللطيف السحباني، أمين عام وزارة الخارجية التونسية إلى الكويت، وطلب منه نقل وجهة نظره إلى الرئيس الحبيب بورقيبة [مجلة الأسبوع العربي بتاريخ 10 أغسطس 1959. وكذلك: From Political Agency (Halford) to Foreign Office. (Beaumont), July 15. 1959. Foreign Office (Adams) September 15. 1959]. كما حرص الشيخ عبداللّه المبارك على المشاركة في المؤتمرات العربية التي تعقد في الكويت، والترحيب بوفود الدول العربية [جريدة الجمهورية بتاريخ 21 ديسمبر 1958]. ومن أمثلة ذلك مؤتمر الأدباء العرب الذي عقد في الكويت عام 1958 وكان موضوعه «البطولة في الأدب العربي». ومع أن يوم افتتاح هذا المؤتمر تصادف مع موعد سفره، فقد حرص على استقبال المشاركين فيه والاحتفاء بهم [مجلة الصياد بتاريخ 25 ديسمبر 1958]. ومن أمثلة ذلك أيضاً استقباله للمشاركين في مؤتمر الغرف التجارية والصناعية والزراعية العربية الذي عقد دورته التاسعة في الكويت في نوفمبر عام 1959 [الكويت اليوم، العدد 249 بتاريخ 15 نوفمبر 1959، ومجلة العربي، العدد 13، ديسمبر 1959]، وكذا استقباله للوفود المشاركة في اجتماع لجنة خبراء البترول العرب في نوفمبر عام 1960 [مجلة حماة الوطن، العدد 3، ديسمبر 1960]. فتح الحدود وفي إطار حرصه على تطوير العلاقات بين الدول العربية، قام بدعم علاقات التعاون العربي ومؤسساته، فاتّخذ إجراءات فتح الحدود وإلغاء الحواجز الجمركية مع الدول العربية، وأكّد اهتمام الكويت بالانضمام إلى الجامعة العربية ومشاركتها في جهود التعاون الاقتصادي العربي مثل اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية ومشروع المؤسسة المالية لتمويل المشروعات الإنتاجية للدول العربية [جريدة الأهرام بتاريخ 25 سبتمبر 1958]. وفي هذا المجال، صرّح بأنّ الكويت جزء من الأمة العربية وأنّها تسعى «للتعاون عملياً مع الحكومات العربية في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تقوية الاقتصاد العربي وتنميته بوسائل فعّالة» [مجلة صوت العروبة، عدد 64، أكتوبر 1958]. وفي حديث له مع إذاعة «صوت العرب» قال: «إن الكويت جزء من الوطن العربي، وما يؤثر في البلاد العربية الأخرى يؤثر فيها» [From American Consulate (Symmes) to Department of State. January 17. 1955]. وكان من أبرز المدافعين عنه والدّاعين إلى الانضمام لجامعة الدول العربية. ففي سبتمبر 1958 - أي قبل الاستقلال بثلاث سنوات - أثار الشيخ مسألة انضمام الكويت للجامعة عندما صرّح لجريدة «الأهرام» المصرية أن الكويت تبحث باهتمام موضوع انضمامها إلى عضوية الجامعة العربية لكي تمارس نشاطها في خدمة العرب وقضاياهم الكبرى [جريدة الأهرام بتاريخ 25 سبتمبر 1958]. لذلك، فعندما اجتمع الشيخ عبداللّه المبارك مع الأستاذ عبدالخالق حسونه، الأمين العام للجامعة، في يوم 29 من نفس الشهر، وجّه له الدّعوة لزيارة الكويت لبحث مسألة انضمام الكويت للجامعة [جريدة الجمهورية بتاريخ 30 سبتمبر 1958]. وقال: «إن الخطوات التالية التي ستبحث أثناء وجود الأمين العام بالكويت ستكون محققة للآمال، فالعرب جميعاً سائرون نحو قوميتهم العربية داخل نطاق الجامعة». وأكّد الشيخ عبداللّه المبارك على اهتمام الشيوخ والشعب الكويتي بالجامعة العربية، وأنّهم ينظرون إليها باعتبارها مؤسسة إقليمية «يمكن أن تكون الملاذ الأول للعرب خلال الأزمات التي تهدد استقلالهم، وتكون الرباط القوي الذي يأخذ بيد شعوبهم نحو التقدّم» [مجلة صوت العروبة، عدد 64، أكتوبر 1958]. أزمة مع لندن وأثار طرح الشيخ عبداللّه المبارك لموضوع انضمام الكويت للجامعة العربية أزمة دبلوماسية مكتومة مع لندن، فقد خشيت بريطانيا من قيام الكويت بهذه الخطوة، ومن أن تحذو إمارات الخليج الأخرى حذوها [جريدة بيروت المساء بتاريخ 26 سبتمبر 1958]. وسرعان ما علّقت وزارة الخارجية البريطانية ببيان مفاده أن تلك الأنباء الواردة من القاهرة لا أساس لها. ولم يترك الشيخ الأمر يمرّ دون تعليق، فأكّد عزم الكويت على الانضمام إلى الجامعة وقال: «إنني أصرّ على ما قلته في بياني، إن تفاصيل انضمام الكويت إلى عضوية الجامعة ستكون موضع بحث مع السيد عبدالخالق حسونه، الأمين العام للجامعة، أثناء زيارته المقبلة للكويت» [جريدة بيروت المساء بتاريخ 26 سبتمبر 1958، وجريدة النهار بتاريخ 30 سبتمبر 1958، وجريدة مرآة الشرق الأوسط بتاريخ 5 أكتوبر 1958، وجريدة السياسة بتاريخ 3 و9 أكتوبر 1958]. وإزاء المعارضة البريطانية، تراجعت الحكومة الكويتية. ولكن الشيخ عبداللّه المبارك لم يهجر الفكرة أو يسقطها. لذلك، عاد في يناير عام 1959، وأكّد على «أنّ الكويت ستصبح عضواً في الجامعة العربية، لتحقق بذلك إرادة الشعب الكويتي الذي لن تتمكن بريطانيا من أن تقف في وجهها» [جريدة الأهرام بتاريخ 17 يناير 1959]. وأن «الشعوب العربية تسير ضمن نطاق الجامعة العربية نحو تحقيق أهدافها الوطنية» [جريدة الأهرام بتاريخ 17 يناير 1959]. وصرّح في عام 1960 لإحدى الصحف المصرية «نحن الذين نقرر ذلك.. ونحن الذين ندير كل شؤوننا العربية، ومدينة الكويت هي عاصمة الكويت» [جريدة الجمهورية بتاريخ 26 فبراير 1960]. وأكّد في نفس العام، أن الكويت ولو أنّها لم تنضم بعد إلى الجامعة العربية، إلاّ أنها تتبع في سياستها نفس النهج الذي تسير عليه شقيقاتها البلاد العربية [مجلة المصور بتاريخ 5 أغسطس 1960]. فمع أنّ الكويت لم تكن عضواً في الجامعة العربية، إلاّ أنها شاركت في عديد من أنشطتها، والتزمت بكثير من سياساتها. فعلى سبيل المثال، شاركت الكويت في حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية التي انعقدت في دمشق في ديسمبر عام 1952، وفي المعسكر الكشفي العربي عام 1953، وفي اجتماع اللجنة الثقافية والاجتماعية للجامعة في مارس عام 1953، وفي المجلس الاقتصادي للجامعة في يناير عام 1959، كما أنشأت الكويت مكتباً لمقاطعة إسرائيل شأنها في ذلك شأن الدول الأعضاء في الجامعة. علاقات عبدالله المبارك مع الحكام العرب نتيجة لاهتماماته العربية، فقد اتّسمت علاقات الشيخ عبداللّه المبارك مع أغلب الحكّام العرب بالعمق والتنوّع، وأقام علاقات وثيقة مع ملوك ورؤساء كثير من الدول العربية خلال وجودهم في السلطة وبعد تركهم لها. ففي لبنان، كانت له روابط مع بشارة الخوري، ورياض الصلح، وكميل شمعون، وفؤاد شهاب. وفي سورية، مع هاشم الأتاسي، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي، وشكري القوتلي. وفي مصر، مع الرئيس عبدالناصر، وأنور السادات. وفي السعودية، مع الملك سعود، والأمير محمد بن عبدالعزيز، والأمير فيصل بن عبدالعزيز، والأمير خالد بن عبدالعزيز، والعديد من أمراء الأسرة السعودية. وفي المغرب، مع الملك محمد الخامس، كما كانت له علاقات وثيقة مع عدد كبير من القيادات السودانية. وبالنسبة لمنطقة الخليج، توثّقت علاقاته مع الشيخ علي آل ثاني في قطر، ومع الشيخ سلمان، والشيخ عيسى، والأسرة الحاكمة في البحرين. وكان لأهل البحرين عنده مكانة خاصة، ومرجع ذلك أن آل الصباح عاشوا لفترة في البحرين، ثم انتقلوا إلى الكويت. وتمتع الشيخ عبداللّه بشخصية ذات قبول عربي عام، فلم يدخل في محاور السياسة العربية ومناوراتها. وأقام صداقات مع أطراف متعددة رغم ما وقع بينها من خلافات ونزاعات حادّة. فنجد مثلاً أن الروابط التي جمعته بأسرة آل سعود كانت متينة ومتميزة، في نفس الوقت الذي تمتع فيه بعلاقات وطيدة مع الساسة المصريين والسوريين، على الرغم مما شاب العلاقات السعودية مع مصر وسورية من توتّرات بالغة في بعض الفترات. ولقد كسب احترام القادة العرب وصداقتهم وفي مقدّمهم الرئيس جمال عبدالناصر والملك محمد الخامس والرئيس شكري القوتلي. لقد فهم الشيخ عبداللّه دور الدولة الصغيرة في الإطار العربي، وكان حريصاً على عدم الزجّ بالكويت في لجّة الصراعات العربية، وعمل على إقامة علاقات تعاون وحسن جوار مع كل الأطراف العربية، واستخدم علاقاته الشخصية مع القادة العرب لاحترام ظروف الكويت وموقفها المتوازن. لذلك، ففي فترة الشقاق بين مصر وكل من العراق والأردن حول حلف بغداد، أو بين مصر والسعودية حول مشروع ايزنهاور لملء الفراغ في الشرق الأوسط، أو بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد الهاشمي، أو بينها والعراق في عهد عبدالكريم قاسم، حرص على أن يكون للكويت موقفها المستقل، وأن لا تدخل طرفاً في الخلافات العربية إلاّ بالقدر الذي تمليه عليه مصالحها أو يفرضه واجب الحفاظ على التضامن العربي. واعتقد الشيخ عبداللّه المبارك أن للكويت دوراً خاصاً في توحيد العالم العربي [مجلة الاتنين والدنيا بتاريخ 6 أكتوبر 1958]، فقد كانت أول دولة عربية قامت بتنفيذ قرارات الجامعة العربية بشأن رفع الحواجز الجمركية بينها وبين شقيقاتها من الدول العربية [مجلة المصور بتاريخ 3 أكتوبر 1958]. وطرح الشيخ عبداللّه المبارك فكرة عقد اجتماعات دورية بين القادة العرب لمناقشة قضايا الحاضر والمستقبل، ففي اجتماعه مع الملك سعود في عام 1958، اقترح عقد مؤتمر «أقطاب العرب» مرتين كل سنة، بهدف التنسيق بين مواقف الدول العربية، ووضع سياسة عربية مشتركة تجاه المسائل الدولية [جريدة الجمهورية بتاريخ 30 نوفمبر، و2 ديسمبر 1958]. (يتبع)
محليات
سعاد الصباح تعقّب على ذكريات أحمد الخطيب (4)
31-07-2007