Ad

سألني أحد الشباب هل مازلت أرى أن الطويل ما كان يجب أن يقبل تولي وزارة الصحة... وكان جوابي نعم. وإذا كان الآن يربط استقالته بالمراهنة على إصلاح «الصحة» فإني أنصحه من الآن، حرصاً عليه وإشفاقاً، بأن يرفس الكرسي ويُعجل بالاستقالة، فذلك أحفظ لكرامته، وتجنباً لللدخول في «مسلسل بهدلة» مع الطبطبائي وصقور جماعة الحكومة.

يوم الجمعة الماضي كنت عائداً على طائرة الخطوط الجوية الكويتية الميمونة من القاهرة إلى الكويت، وكالعادة تناولت الصحف الكويتية قبل أن يخطفها الآخرون؛ لمتابعة أخبار وطننا الحبيب، رغم أن الغياب لم يتجاوز ثلاثة أيام، ولم يكن في الصحف الشيء الكثير غير تصريحات إخواننا النواب وتهديداتهم للسادة الوزراء والتلويح بالاستجواب، ولكن لفت نظري تصريح الأخ العزيز عبدالله الطويل وزير الصحة، الذي ذكر فيه أنه ستكون للصحة ميزانية مفتوحة لتطويرها، وأنه سيستقيل إذا لم يُصلح مرفق الصحة، ومضت الرحلة نحو ساعتين انشغلت فيها في سوالف أو نقاش مع صديق بجانبي، وطبعا كان محور الحديث -كالعادة إذا ما التقى الكويتيون في أي وقت وأي مكان- مشاكل الكويت وتردي أوضاعها، والبيروقراطية ومعوقات التنمية الأخرى فيها، ما أدى إلى تخلفها حتى عن بقية دول الخليج، والبكاء على أوضاعنا، وأن بلدنا الكويت «ما تستاهل هالبهدلة»، وشعبها يستحق أوضاع أفضل من هذا النكد الذي نعيشه.

لكن منذ الوصول وعلى مدى الأيام الماضية وتصريح وزير الصحة يرن بذهني وأنا متردد في الإفصاح عن رد الفعل لديَّ ولو بتعليق بسيط... وأخيراً ها أنا ذا أفعل.

وما يدور بخلدي حول ذلك التصريح ملاحظتان: الأولى انتقادية، والثانية بدافع الحرص والشفقة على وزير الصحة.

الملاحظة الانتقادية هي بشأن الميزانية المفتوحة لتطوير الخدمات الصحية.

وهذا يعني أن هنالك اعتقاداً لدى الوزير أو الحكومة أن تردي الخدمات الصحية هو بسبب نقص الميزانيات، وأن توفير التمويل هو الأداة السحرية لحل ما يعتري الخدمات الصحية من قصور، وإن كان الأمر كذلك فالمصيبة أعظم، فآخر شيء ينقص الكويت هو وفرة المال وأسهل شيء يمكن توفيره للتغلب على أي صعوبات هو توفير التمويل للميزانيات، وعلى الأخص في الفترة الأخيرة، وبالذات آخر خمس سنوات التي حققت فيها الميزانيات فوائض ضخمة تجاوزت 6 مليارات دينار سنويا وزادت فيها مصروفات الدولة بنسبة %150، أي أكثر من الضعف، في غضون 5 سنوات من 4.7 مليارات دينار عام 2002، إلى أكثر من 11 مليار دينار في عام 2007.

فالعلة إذن ليست في نقص التمويل، وإنما في قصور الإدارة وبالذات الإدارة السياسية أو السياسة الإدارية لا فرق، وهو أمر لا يقتصر على الصحة فحسب، بل ينطبق أيضاً على مؤسسات الدولة ووزاراتها كافة.

والظاهرة البارزة في الكويت هي أن الميزانيات المعتمدة للصرف لا تصرف كلها، وعلى الأخص ميزانية الإنشاءات والمشاريع، وأن معدل الصرف الفعلي في هذا الباب نسبته إلى ما هو معتمد يتراوح بين 69 و%82 بمعدل وفر نحو %25، وهذا يعود إلى النقص في القدرة على التنفيذ، وهو سبب إداري وليس مالياً أو تمويلياً.

لذا فإن توفير المال أو الميزانية المفتوحة فقط لن يطورا الخدمات الصحية وهذا لن يكون إلا بتطوير الإدارة وتطوير السياسة الإدارية للبلد.

أما الملاحظة الثانية، وهي من باب الحرص والإشفاق تتعلق بقول الوزير عبدالله الطويل إنه سيستقيل إذا لم يتمكن من إصلاح وزارة الصحة، وما كنت أتمنى له أن يقذف بمثل هذا التصريح، لأن إصلاح الصحة أمامه صعوبات جمة لا يمكن التغلب عليها، لا في شهر كما طلب النائب الطبطبائي، ولا بإقالة الوكيل كما يلح ويكرر، ولا في 50 شهرا، وهو الحد الأقصى لمدة الفصل التشريعي وعمر الوزارة.

الصحة «قيله» أيضا كبقية الوزارات، فإلى جانب المشاكل داخل الوزارة وكوادرها، ومطالب الأطباء والفنيين والإداريين بالوزارة، يواجه الوزير قوى تعمل ضده وتحفر له المطبات من داخل الأسرة الحاكمة، ومن داخل الحكومة ومن داخل مجلس الأمة. وموقف الطبطبائي الذي يهدده صباح مساء باستجواب، إذا لم يطرد الوكيل ليس إلا قمة جبل الجليد، فهنالك جماعة التيار الإسلامي ضده، وجماعة الحكومة أو المحسوبين عليها ضده، والتكتل الشعبي إذا لم يقف ضده فهو ليس معه أو لن يدافع عنه، ومن يحبون له الخير سيجدون صعوبة في الدفاع عن أوضاع الصحة. فمشاكل الصحة متوافرة بكثرة أكثر من توافر المال في الكويت، وأي نائب أو جريدة لا يحتاج إلى جهد لانتقاد الوزير، يكفيه أن «يغمض عينيه... ويمد يده ويخمط... وسوف يكمش مشاكل الدنيا ترس إيده».

سألني أحد الشباب هل ما زلت أرى أن الطويل ما كان يجب أن يقبل تولي وزارة الصحة... وكان جوابي نعم. وإذا كان الآن يربط استقالته بالمراهنة على إصلاح الصحة فإني أنصحه من الآن، حرصاً عليه وإشفاقاً، أن يرفس الكرسي ويُعجِل بالاستقالة فذلك أحفظ لكرامته، وتجنباً للدخول في «مسلسل بهدلة» مع الطبطبائي وصقور جماعة الحكومة.