Ad

بعض القوى يدري ماذا يقول، لكن بعضها مأخوذ ببعض، وتأخذه الحمية للاعتراض، تارة بيسارية طفولية، وطوراً بأصولية خبيثة وغوغائية، ودائماً بغياب مفهوم راسخ للدولة، وضرورة أن تقوم كياناً وأركاناً لتحفظ كل الفئات، ولتحفظ النسيج الاجتماعي من التفسخ والهزات، ولتضمن في النهاية حق الناس في ممارسة السياسة والحريات.

أكثر ما يثير الشفقة على الذين يرفعون عقيرتهم ضد قانون التجمعات هو ذلك الإجماع المذهل من القوى السياسية والشخصيات يمينها وشمالها، شرقها وغربها، وكأن «الأمة» اجتمعت على ضلال.

فمعارضة قانون التجمعات بالشكل الذي لمسناه في الأيام الأخيرة تظهر كأن معظم القوى السياسية في الكويت باتت ضد أن تكون للدولة هيبة، وليس ضد ما يسمى «القمع» الذي تمارسه «الدولة البوليسية» ضد الناس. وللتذكير فقط، فإن هذه «الدولة القمعية» ليس فيها معتقل سياسي واحد يمكن أن يشكل سبباً للتشكيك أو الاعتراض.

قلة أولئك الذين يشرحون القانون ويشرّحون الأسباب، التي جعلتهم يتجمعون ويُصدرون البيانات ضد قانون ينظم التجمع ويجعله تحت سلطة القانون. أما الأغلبية فتسير مع الموج، وتحت شعارات الحرية والديموقراطية وإطلاق العنان للبوح الحر بالمكنونات تحت أي ظرف وفي كل مكان، من غير أن تدري أن غياب النظام مدخل الى الفوضى المنظمة، وأن كسر هيبة الدولة مقدمة لتفكيكها، وأن التجرؤ على كسر تنفيذ القانون وصفة سحرية لإعادة البلد إلى مكوناته البدائية والدخول في المجهول.

ويبدو أن القوى السياسية الكويتية تريد من كل شيء موضوعاً لكسب انتخابي أو لشعبوية سخيفة أو لـ«نفع خاص» أو لأهداف مخفية لا تتلاقى بالضرورة مع الكلام المعلن عن الديموقراطية والحرية. فما مصلحة التيار الليبرالي في انعدام قانون للتجمع؟ وما مصلحة الحركة الدستورية في غياب ما ينظم اللقاءات؟ وما الفائدة من تدمير ركن أساسي من أركان قيام الدول وهو النظام؟ وما فائدة الجميع من تهيئة الأرضية الخصبة لعدم الاستقرار؟

بعض القوى يدري ماذا يقول، لكن بعضها مأخوذ ببعض، وتأخذه الحمية للاعتراض، تارة بيسارية طفولية، وطوراً بأصولية خبيثة وغوغائية، ودائماً بغياب مفهوم راسخ للدولة، وضرورة أن تقوم كياناً وأركاناً لتحفظ كل الفئات، ولتحفظ النسيج الاجتماعي من التفسخ والهزات، ولتضمن في النهاية حق الناس في ممارسة السياسة والحريات.

وللقائل إنه ليس في بريطانيا قانون للتجمعات، نقول: ليست الكويت وريثة مئتي عام من الديموقراطية والاستقرار، وليست «ساحة الارادة» هي «الهايد بارك»، وليس أحزابها المحافظون والعمال والليبراليون يتخاصمون ديموقراطياً وبأرقى المستويات في ظل دستور غير مكتوب. إنها الكويت، ديموقراطية حديثة وتركيبة صعبة لا تزال تختبر وحدتها يوماً بعد يوم. نسيجها متنوع ومحدث في العلاقة مع مفهوم الدولة، جارها العراقي يعاني حروبه الأهلية، وجارها الإيراني مهووس بالهيمنة ومد النفوذ وهاجس التلاعب بالأقليات الشيعية وتأليبها على دولها. وإن كان لا بد للكويت من أخذ العبر فلتأخذها من العراق المفكك، ولبنان المخلع، وسائر الدول العربية التي تعاني هنا جرحاً، وهناك نزفاً، وهنالك شقاقاً.

ربما أتى قانون التجمعات في ظرف سياسي غير مناسب، وفي وقت لا مجلس نيابياً ليناقشه قبل إقراره وتنفيذه، وربما احتاجت بعض مواده للتعديل، غير أن ذلك لا يعني أن تُشن حملة شعواء على قانون لا بد منه خصوصاً مع انفلات المشاعر الطائفية والقبلية، ومع المخاطر الإقليمية التي تجد لها صدى واسعاً في الداخل، ومع رغبة البعض في رؤية السلطة تتعثر غير آبه بالضرر الذي يقع على الدولة.

معارضة القانون حق. لكن حق الدولة في أن تبقى دولة هو من روح الدستور ومبرر بقاء الدولة.