لو قررت الحكومة رفع المكافأة إلى 500 دينار مثلاً (غير العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأطفال وبدل السكن) للعاملين بهذه الوظائف غير المرغوبة، فإنها ستستطيع أن تضرب بذلك ثلاثة عصافير - وليس اثنين فقط - بحجر واحد، لأنها ستشجع الشبان والشابات على العمل في أعمال تركها الكويتيون منذ عقود.بين مدة وأخرى نشهد افتتاح سوق جديد (مول) في الكويت، ويصاحب ذلك الافتتاح طبعا اهتمام كبير من قبل الصحافة والمسؤولين، ويخرج لنا رئيس الشركة القائمة على المول الجديد ليصف لنا عظمة ذلك المشروع التنموي الذي سينشط التجارة في البلد، وما إلى ذلك من كلام جميل ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.
فمن يرتاد هذه المولات الجديدة - وحتى القديمة - لابد أن يلاحظ أمراً مهماً جداً، وهو أننا شعب كسول واتكالي وظيفته التسوق وصرف الأموال فقط، بينما تقوم الجنسيات الأخرى بخدمتنا، فهي التي تبيعنا السلع في المحال وتخدمنا في المطاعم وتنظف لنا الأرضيات. فأمام هذه المشاهد المتكررة، هل تعد هذه المولات مشاريع تنموية أم مشاريع تخريبية لا تنتج سوى زيادة النمط الاستهلاكي القاتل و«شفط» المزيد من الأموال من معاشات المواطنين والمقيمين التي تتعرض أصلا لعملية «شفط» أخرى عن طريق الزيادة الجنونية في أسعار السلع الاستهلاكية، وتحت نظر وزارة التجارة التي لا تجيد سوى التصريحات والتهديدات الفارغة؟!
فنحن في حاجة الى قانون يفرض على هذه المولات والشركات المشاركة فيها، المساهمة في تخفيف أعباء التوظيف عن الدولة، وذلك بتوظيف عدد أكبر من المواطنين ليعملوا كبائعين في محالها ومطاعمها. لكن السؤال الذي سيخطر على بال الجميع هو: هل هناك كويتي سيقبل أن يعمل في هذه الوظائف؟ الجواب سيكون (لا) بالطبع، لكن هنا يأتي دور الحكومة ومجلس الأمة لسنّ قانون يعطي مكافآت مجزية للمنخرطين في هذه الأعمال، لأن المكافأة الحالية لدعم العمالة (200 دينار) لم تعد تغري الشباب للعمل في القطاع الخاص مع الزيادة الكبيرة في الكوادر والبدلات لكثير من موظفي الحكومة.
لكن لو قررت الحكومة رفع المكافأة إلى 500 دينار مثلا (غير العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأطفال وبدل السكن) للعاملين بهذه الوظائف غير المرغوبة، فإنها ستستطيع أن تضرب بذلك ثلاثة عصافير - وليس اثنين فقط - بحجر واحد لأنها ستشجع الشبان والشابات على العمل في أعمال تركها الكويتيون منذ عقود بفضل التخطيط الرائع للحكومات المتعاقبة (والرشيدة طبعاً). كما أنها ستخفف من استقدام العمالة الأجنبية وما يصاحبها من زيادة الازدحام والمشاكل الاجتماعية والأمنية لبعضها، وستخفف أيضا من تضخم الهيكل الحكومي وقلة إنتاجيته بسب كثرة حالات البطالة المقنعة، وبذلك تكون قد أعطت معاشات مقابل إنتاجية حقيقية لا مزيفة.
أدرك بأن مثل هذه الخطوة ستواجهها بعض الصعوبات في البداية بسبب النظرة الاجتماعية تجاه العاملين بهذه الوظائف، لكن عندما يكون المردود المادي جيداً جداً فإن ذلك سيغير من تلك النظرة تدريجياً مع انخراط المزيد من المواطنين بها، لأن الوضع لم يعد يحتمل أن نعتمد على التوظيف في الحكومة مع استقدام المزيد من الوافدين ليعملوا في المزيد من المولات، إلى أن نصل إلى وضع تسمى فيه الكويت بلد المليون مول - كما قال أحد الزملاء - على غرار العراق بلد المليون نخلة والجزائر بلد المليون شهيد!